عادل حويس: شجرة القات.. خضراء القلب سوداء الأثر

 

في جبال اليمن حيث تشرق الشمس على وجه التاريخ وتنام القرى في حضن الجبال تقف شجرة خضراء باسقة مزهوة بعروقها التي تغور في الأرض كأنها جذور وطنٍ لكنها في الحقيقة جذور وجع.

إنها شجرة القات… تلك العشيقة الملعونة التي سرقت الزمن من عيون اليمنيين وابتلعت ماءهم وأرضهم وأحلامهم.

لطالما اعتبرت الشجرة في ثقافتنا رمزًا للخير.. للظل.. للثمر.. للحياة.

إلا أن القات نبت شيطاني يتوشح الخضرة لكنه يثمر خدرا ويورق وهما.

ليست شجرة بل شبكة تصطاد العقول وتحبس الأرواح في دوائر اللاجدوى. هي خضراء نعم.. لكنها لا تثمر سوى الهدر: هدر الوقت وهدر المال وهدر العقول.

القات ليس مجرد عادة اجتماعية كما يحلو للبعض تبريره بل هو استعمار ناعم ضرب جذوره في ثقافة أمة بأكملها.

يوم اليمني يبدأ بالبحث عن لقمة وينتهي بمضغ ورقة! ساعة تلو الأخرى يمضي نهاره في تحضير مجلس القات ويمضي ليله بين نشوة زائفة وكسل مقيم. أين الزراعة؟ أين الصناعة؟ أين العلم والعمل؟ لقد صارت أغصان القات سلاسل تشد اليمني إلى الوراء وتمنعه من أن ينهض.

يا سادة.. القات يأكل الماء في بلد يعاني من الجفاف ويستهلك التربة في أرض تموت من التصحر ويأكل جيوب الفقراء في وطن يئن تحت وطأة الجوع.

هذه الشجرة ليست فقط نبتة ضارة بل رمز لفشل جماعي في المواجهة. أليس من المضحك المبكي أن تروى شجرة تافهة على حساب أطفال لا يجدون قطرة نظيفة؟ أن يقتنيها فلاح في أعلى الجبال بينما تموت أرضه عطشا؟

وما أشد سخرية القدر حين يصبح القات ملاذًا من الحرب بينما هو في الحقيقة أحد أوجهها.

كم من المقاتلين يعتاشون على مضغ الوهم! كم من القرارات اتخذت تحت سُكر القات وكم من البيوت دمرت.. والقلوب تصدعت بسبب هذه الشجرة التي لا تثمر سوى الخراب!.

لن تنهض اليمن ما دامت هذه الشجرة تجلس على صدرها تمتص دماء شبابها وتحولهم من عمار إلى مدمنين.

الحل ليس في التقنين ولا في التحذير بل في الاقتلاع. نعم، يجب اقتلاع شجرة القات لا من التربة فحسب بل من العقول والقلوب والتقاليد.

ولنعترف أن الحرب الحقيقية ليست فقط في الجبهات بل في العقول.

والحرب على القات هي أولى معاركنا نحو وطن يستحق الحياة. فلنزرع مكانها شجرة البن أو التفاح أو الأمل… أي شجرة تثمر شيئًا نافعا غير الوهم.

آن لنا أن نقولها بلا مواربة:

شجرة القات حبيبة سامة… ويجب اقتلاعها من اليمن قبل أن تقتلع اليمن من داخله.

 

 

Comments are closed.

اهم الاخبار