دراسة تكشف: شح المياه يجفّف زراعة البن في اليمن

يهدد الجفاف وقلة مصادر المياه أهم مورد زراعي في اليمن، وهو محصول البن الذي يعتبر مصدر دخل لأكثر من 150 ألف أسرة، حيث شهدت زراعته توسعاً لافتاً خلال السنوات القليلة الماضية بدعم من منظمات وجهات تمويلية أممية ودولية لتشجيع الشباب وفئات المجتمع على زراعته في إطار مكافحة تمدد زراعة نبتة القات وتوسعها.

جاء ذلك في دراسة بحثية حديثة حول الجفاف والبن اليمني نُشِرت في المجلة الدولية للبحوث العلمية في لندن؛ والتي استخلصت أن تراجع زراعة البن في اليمن بشكل كبير بسبب قلة مصادر المياه للري وشح الأمطار وتذبذب مواسمها بوصفها نتيجة واضحة للتغيرات المناخية.

زراعة البن مهدّدة

الخبير في مجال المياه والهندسة الزراعية، والذي أعد هذه الدراسة البحثية وأستاذ علوم المحاصيل في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، أمين الحكيمي، يؤكد في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن زراعة البن مهددة في اليمن بشكل كبير بسبب أزمة المياه والجفاف الناتج عن التغيرات المناخية، مع تراجع قلة مصادر المياه للري وشح الأمطار وتذبذب مواسمها بوصفها نتيجة واضحة لهذه التغيرات المناخية التي تضرب اليمن.

وتراجعت إنتاجية اليمن من محصول البن خلال السنوات القليلة الماضية، بحسب بيانات صادرة عن إدارة الإحصاء في وزارة الزراعة والري، إلى 19 ألف طن في العام 2023، بعد أن كانت تتجاوز 26 ألف طن قبل العام 2015.

وضاعفت الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إبريل/ نيسان الماضي، والتي شملت البن اليمني من أزمة هذا المحصول، مشيراً إلى أن وكالة التنمية الأميركية ساهمت خلال فترات سابقة في دعم عملية التوسع في زراعته وفتح السوق الأميركي أمام القهوة اليمنية التي كان يتم تصدير الجزء الأكبر منها إليه.

مساحات كبيرة لزراعة المحصول

ويزرع البن في اليمن في مساحة تقدر بـ36 ألفاً و829 هكتاراً، بحسب بيانات وزارة الزراعة اليمنية للعام 2023؛ حيث تتوزع زراعته في بيئات معينة على طول سلسلة المرتفعات الجبلية وعرضها، ولكنها تزدهر بشكل أكبر على ارتفاعات ما بين 700 إلى 1800 متر عن سطح البحر. وبنسب قليلة على ارتفاعات أعلى تصل حتى 2500 متر في المناطق المحمية طبيعياً من الصقيع وانخفاض درجات الحرارة شتاءً.

في المقابل، يتحدث الحكيمي أن المشكلة الأهم تتمثل في “نقص الماء والجفاف، الذي يعتبر العامل الرئيسي المحدد لنمو البن وازدهاره منذ بدء استزراعه في اليمن”، حيث لا تزال زراعة هذا المحصول المهم وتطويره يشكلان تحدياً كبيراً لليمن واليمنيين.

وتمت الدراسة بتتبع نمو النباتات حتى عمر سنة وتحت ظروف بيئية مكيفة تناسب نبات البن وتحت أربعة مستويات من الماء (80-60-40-20% من السعة الحقلية)، حيث درست الصفات المتعلقة بالنمو الخضري ونمو المجموع الجذري والصفات الفيزيولوجية.

وأوضحت النتائج أن نبات البن تراجع نموه تدريجياً تحت تأثير المستويات الأربعة من كمية المياه، وكان تأثير الجفاف واضحاً في بعض الصفات “المورفولوجيا” مثل طول النبات وعدد الأوراق التي بقيت حية حتى اكتمال التجربة، كما تأثرت أيضاً خصائص الأوراق من حيث مساحتها وتغيرت أبعادها، وكذلك كانت صفات الوزن الجاف للأوراق ووزن الجذور وطولها من المؤشرات المهمة التي يمكن الاعتماد عليها في التقييم للتحمل للجفاف.

 

كما أن الصفات الفيزيولوجية بينت أن نبات البن يظهر آليات تكيفية في زيادة محتوى الكلوروفيل وزيادة كثافة الثغور والوزن النوعي للأوراق مما يتيح للنباتات المحافظة على عملية استقلاب وتمثيل الغذاء للنبات تحت ظروف الجفاف، وهي آليات يمكن استخدامها في غربلة الأصناف والسلالات المحلية من البن اليمني في المرحلة الأولى.

بروتوكول للتباينات الوراثية هذه الدراسة المعملية أتاحت للباحثين أن يضعوا بروتوكولاً بحثياً لتقييم التباينات الوراثية للصفات المرتبطة في التحمل والتأقلم أو التكيف للجفاف، كما يمكن البناء على هذه النتائج في فهم آليات تحمل نبات البن للجفاف تحت الظروف اليمنية، بحسب الباحث اليمني.

ويتوقع الحكيمي استناداً إلى دراسات علمية أن هذه المشكلة سوف تتفاقم مستقبلاً في اليمن بشكل كبير مع شدة وطأة التغيرات المناخية المتوقعة في العالم بشكل عام، واليمن بشكل خاص.

وتعتمد زراعة البن بدرجة رئيسية على الأمطار الموسمية وما تحدثه من سيول، ومن تلك المياه التي تخزن في برك وحواجز صغيرة، إضافة إلى الري التكميلي من الآبار السطحية.

ويشير الحكيمي إلى أن هناك عوامل عديدة لأزمة نقص المياه في اليمن أهمها سوء الإدارة للموارد المائية في البلاد، إلى جانب بروز الجفاف الشديد عاملاً رئيسياً آخر هذا العام والمتمثل في قلة الأمطار، وتذبذب في فترات مواعيد الأمطار، وهي ظاهرة طبيعية متكررة في اليمن نظراً إلى عوامل الموقع والطبوغرافية والمناخ وتقلباته.

وكبد الصراع في اليمن قطاع الزراعة خسائر باهظة، إذ تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن استمرار الصراع قد يكلف اليمن خسارة ما يقارب 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040 بسبب تدهور الأراضي الزراعية. وأدت الحرب إلى تدمير مزارع ومرافق زراعية، خاصة الخزانات والسدود، مما أثر كثيراً على القدرة على إنتاج الغذاء المحلي في بلد يعتمد فيه الكثير من السكان على الزراعة.

 

المصدر:”العربي الجديد”

Comments are closed.

اهم الاخبار