ما سر اختراق صواريخ ومسيّرات صنعاء لدفاعات إسرائيل؟
خالد الصايدي
تكثف القوات المسلحة اليمنية من تصعيد عملياتها العسكرية ضد الكيان الصهيوني نصرةً لغزة، مستهدفة مواقع وأهدافاً حساسة في العمق الإسرائيلي بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، في وقت يواجه فيه الكيان صعوبات متزايدة في صد هذه الهجمات أو حماية منشآته الحيوية.
وفي أحدث فصول الضربات النوعية التي نفذتها القوات المسلحة على الكيان الصهيوني، نجحت مسيرة يمنية، في تحقيق إصابة مباشرة في كيان العدو، وأصابت هدفا في مدينة إيلات على البحر الأحمر، ما أدى إلى جرح وإصابة أكثر من 50 إسرائيليا بينهم حالات خطرة.
هذا التطور أجبر إسرائيل على إعادة حساباتها العسكرية والأمنية في البحر الأحمر، حيث باتت السفن التجارية والقطع البحرية في مرمى الهجمات.
وفي غضون ذلك، دفع الحدث بجيش الاحتلال إلى فتح تحقيق حول أسباب الفشل في اعتراض المسيّرة التي يبدو أنها تنتمي إلى جيل جديد من المسيّرات محلية الصنع التي أدخلتها صنعاء إلى المعركة مؤخراً.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن منظومة القبة الحديدية أطلقت صاروخين لاعتراض المسيّرة في إيلات، لكن محاولات الاعتراض فشلت.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر بالجيش الإسرائيلي قولها إن التحقيقات أظهرت أن المسيّرة حلقت على علو منخفض، ولم يتم رصدها قبل الاقتراب من شواطئ إيلات.
عجز الكيان
وفي تعليق على هذه العمليات، قال الخبير الاستراتيجي ورئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ناصر قنديل، إن العدو ظل لسنوات يضلل مستوطنيه بادعاءات أن دفاعاته الجوية تتعامل بنجاح مع الهجمات اليمنية، لكن التطورات الأخيرة أثبتت عجزه الكامل، موجّهة رسالة واضحة بأن المستوطنين أنفسهم ليسوا في مأمن من تداعيات العدوان على غزة.
عمليات نوعية بمسيّرات محلية الصنع أصابت “إيلات” المحاطة بـ”القبة الحديدية”
وأوضح قنديل في مقابلة مع قناة “المسيرة”، أن اليمن راكم خبرة استثنائية خلال العامين الماضيين عبر مئات العمليات، مكّنته من إتقان قراءة مسارات الرادارات ورصد ثغرات أنظمة الاعتراض، ما عزز قدرته على استهداف الأهداف الاستراتيجية بدقة، سواء في البحر الأحمر أو داخل الأراضي المحتلة.
وأشار قنديل إلى أن الاحتلال قد يحاول التكتّم على نتائج بعض الضربات، إلا أن ما ظهر للعلن يكشف الأكاذيب الصهيونية ويفضح عجز منظوماته الدفاعية، مؤكدًا أن هذه العملية ستترك انعكاسات عميقة على الداخل الصهيوني وقد تفتح الباب أمام احتجاجات متزايدة ضد استمرار العدوان.
قوة استراتيجية
أما العميد عابد الثور، فقد أشار الى أن “التطور العسكري النوعي الذي حققته القوات المسلحة بات معترفاً به حتى من العدو نفسه”، لافتاً إلى “أن المسيّرات والصواريخ اليمنية تصل إلى مطارات ومنشآت حساسة في عمق فلسطين المحتلة، بما في ذلك مفاعل ديمونا الاستراتيجي في صحراء النقب، الذي تُمنع حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية من تغطيته”.
وأضاف الثور في تصريحات صحفية، أن “العدو الصهيوني لا يعلن عن جميع الضربات التي تستهدف منشآته الحيوية، وهو ما يدل على حساسية الأهداف ودقة العمليات اليمنية”، معتبرا أن “خيارات العدو أصبحت محدودة بعد إفراطه في القتل في غزة واستخدامه المفرط للقوة العسكرية”، مشدداً على “أن استمرار توجيه الضربات لليمن ما هو إلا انعكاس لحالة الإرباك والهشاشة التي يعيشها الكيان”.
مؤكدا أن اليمن اليوم أصبح قوة استراتيجية لا يمكن تجاوزها في المنطقة، وأن ما يجري هو دليل على إفلاس العدو الذي يبحث عن بدائل عسكرية في الوقت الذي يضيق عليه الخناق سياسياً وإعلامياً على مستوى العالم.
معادلات ردع جديدة
بدوره، يشير الخبير العسكري العميد خالد غراب، إن ما يميّز الضربات اليمنية الأخيرة على كيان الاحتلال الإسرائيلي ليس فقط دقتها في إصابة الأهداف، بل سرعة الرد غير المسبوقة، حيث تكاد لا تمضي ساعات قليلة من الغارات الصهيونية على بلادنا حتى يأتي الرد اليمني بشكل مكثف ومدروس، وهو ما اعتبره رسالة استراتيجية بالغة الدلالة بأن صنعاء باتت تمتلك زمام المبادرة وقادرة على نقل المعركة إلى عمق الكيان متى أرادت”.
قوة الردع الإسرائيلية تتآكل تدريجياً أمام تكرار الهجمات وعدم قدرتها على منعها
وأوضح غراب في تغريدة بمنصة “إكس” تابعتها “الوحدة” أن “هذا الرد السريع أطفأ نشوة النصر التي حاول العدو الإسرائيلي الترويج لها، وأثبت أن القدرات العسكرية اليمنية تتعاظم يوماً بعد يوم، فيما قوة الردع الإسرائيلية تتآكل تدريجياً أمام تكرار الهجمات وعدم قدرتها على منعها”، لافتا إلى أن “هذا التطور يمثل انتصاراً حقيقياً في الحرب النفسية، إذ يعيش ملايين المستوطنين حالة ذعر دائم مع كل صافرة إنذار، فلا يكادون يخرجون من الملاجئ حتى يعودوا إليها مرة أخرى، ما يرهق الجبهة الداخلية للاحتلال ويكشف هشاشتها”.
واضاف أن “هذا الحضور الناري النوعي يؤكد التزام صنعاء بمواصلة معركة إسناد غزة، ويضع الكيان الصهيوني أمام عجز مستمر عن احتواء الموقف أو فرض معادلات ردع جديدة، رغم كل الدعم العسكري الأميركي، وهو ما يعكس تغيّراً استراتيجياً في موازين القوة لصالح محور المقاومة”.
فشل منظومات الدفاع
وفي ذات السياق، يرى مراقبون أن التصعيد الأخير، المتمثل في استهداف ميناء إيلات بطائرات مسيّرة وصواريخ متطورة أسفرت عن إصابة العشرات، يعكس نقلة نوعية في قدرات القوات المسلحة اليمنية، بعدما كانت قبل سنوات تعتمد على أسلحة محدودة المدى.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن القوات المسلحة اليمنية تمكنت من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية عدة مرات سواء بالمسيّرات التي ضربت إيلات ومطار رامون ومن قبلها مدينة تل أبيب نفسها، أو بالصواريخ الباليستية والفرط صوتية وخاصة ذات الرؤوس المتعددة التي تمكنت من إحداث فجوة وسط منظومة الدفاع الإسرائيلي المدعومة بمنظومة “ثاد” الأميركية.
بينهم أطفال ونساء.. ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الأخير على صنعاء إلى
216 شهيداً وجريحاً
ضحايا أبرياء
الفشل الإسرائيلي في التصدي للهجمات اليمنية المتواصلة ومنها الضربة القوية للمسيّرة اليمنية التي استهدفت فندقا في مدينة إيلات على البحر الأحمر، الأربعاء، دفع بالكيان الهمجي إلى تنفيذ غارات انتقامية وحشية على عدة أحياء سكنية آمنة في صنعاء الخميس، ووفق إحصائية جديدة لوزارة الصحة، فإن حصيلة ضحايا العدوان “ارتفع إلى 11 شهيداً بينهم أربعة أطفال وامرأتان ، فيما أصيب 205 أخرون بجراح ، من بيهم 63 طفلا و37 امرأة، في حصيلة غير نهائية.
وكان جيش العدو الإسرائيلي أعلن أن قواته الجوية استخدمت “20 طائرة مقاتلة” ألقت نحو “65 قنبلة”، وهو أكبر هجوم من نوعه منذ بداية استهداف إسرائيل لليمن منذ عام.
العدو يعترف
الفشل في اعتراض الصواريخ والمسيرات اليمنية جاء على لسان الكيان الصعيوني نفسه إذ أقرت شركات الصناعات العسكرية الصهيونية أن منظوماتها الليزرية الجديدة عاجزة عن اعتراض الصواريخ اليمنية الفرط صوتية، ما يعكس فجوة تكنولوجية خطيرة، ودفعت هذه الصدمة حكومة الكيان إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة، مثل مطالبة جوجل بحجب صور المواقع الحساسة من خرائطها الإلكترونية، في مؤشر على يأسها من إمكانية صد جميع الهجمات.
كما أشارت مجلة “جاكوبين” الأمريكية إلى أن العمليات الصاروخية تتواصل بشكل شبه يومي رغم الغارات الجوية، مؤكدة فشل شبكات التجسس في اختراق القيادات اليمنية أو وقف الهجمات، وأبرزت المجلة أن الرد اليمني لم يتأثر، بل تطور باستخدام ذخائر انشطارية وصواريخ جديدة أكثر دقة وتأثيراً.
وفي بُعد آخر، كشف معهد واشنطن للمصالح الأمريكية أن السياسة الأمريكية فشلت في تحقيق أي هدف من حملاتها العسكرية والسياسية ضد اليمن، سواء في عهد بايدن أو ترامب، وأن عملياتها توقفت فجأة دون نتيجة ملموسة، ما أضعف موقفها أمام حلفائها، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، كما أكد المعهد أن صنعاء عززت قدراتها العسكرية ورسخت علاقاتها مع قوى دولية كبرى، ما ضاعف مأزق واشنطن وأفشل خططها لاحتواء الموقف.
قلق بلا حدود
وأقرّت منظمة “اللجنة اليهودية الأمريكية”، بأن الكيان الصهيوني قلق من امتلاك قوات صنعاء قدرات عسكرية متطورة.
وقالت المنظمة في تقرير ان “اليمنيون أظهروا قدرات عسكرية هائلة، لا سيما من خلال استخدامهم للصواريخ والطائرات المسيرة، وقد استخدموا هذه الأسلحة ضد أهداف في إسرائيل والسعودية والإمارات”.
وأوضح التقرير، أن اليمنيون أظهروا قدرتهم على شن ضربات صاروخية مؤلمة بعيدة المدى، وهو ما يُؤكد تقدمهم في تطوير الأسلحة، وارتفاع مكانتهم كقوة إقليمية فاعلة ذات قوة عسكرية متزايدة.
وأشار إلى أنه “منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في 7 أكتوبر 2023، تحالف اليمنيون مع حماس، وشنوا سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة ضد إسرائيل تضامنًا معها، ومع ذلك، لا تزال هجمات اليمنيين المستمرة وأسلحتهم المتطورة تشكل تحديا أمنيا خطيرا للاحتلال.
كما أشارت المنظمة إلى أن “الهجمات اليمنية الصاروخية على اسرائيل والسيطرة على السفن التجارية المرتبطة بها في البحر الأحمر، تؤكد وصول قدرتهم إلى خارج حدود اليمن ”
خسائر باهظة
ولم تقتصر تداعيات الهجمات اليمنية على الخسائر الميدانية وشل الحركة الجوية والبحرية، بل تحولت إلى عبء مالي واستنزاف اقتصادي هائل للاحتلال الإسرائيلي، فكل صاروخ يمني أو طائرة مسيرة لم يعد يمثل مجرد تهديد أمني، بل عملية نزيف مالي متواصلة تهز الموازنة العسكرية وتستنزف قدرات الردع.
بحسب تصريحات مسؤولين صهاينة، فإن كل هجوم مصدره اليمن يكلف نحو 50 مليون شيكل (قرابة 15 مليون دولار) في المتوسط، بينما تتراوح تكلفة اعتراض صاروخ واحد بواسطة منظومة “السهم 3” بين 15 و30 مليون شيكل (4.5 – 8.9 مليون دولار). أي أن دفعة صغيرة من الصواريخ اليمنية تعني خسائر بعشرات الملايين حتى لو تم اعتراضها بالكامل.
أما في حال فشل الاعتراض، فتقفز الخسائر إلى أضعاف مضاعفة؛ حيث أقر المدير العام لوزارة الدفاع اللواء (احتياط) أمير برعام أن خطأ واحداً قد يسبب أضراراً تصل إلى 300 مليون شيكل.
هذه الأرقام تكشف أن المعركة مع اليمن لم تعد مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل حرب استنزاف استراتيجية ترهق الكيان الصهيوني اقتصادياً، وتجبره على تخصيص ميزانيات ضخمة لإنشاء مجالس عليا للتسليح والتعاون بين وزارة المالية والأمن القومي والصناعات العسكرية، في محاولة لتعويض الفجوة وتطوير منظومات قادرة على مواجهة تهديدات تتصاعد يوماً بعد يوم.
25 عملية عسكرية
يشار إلى أن القوات المسلحة اليمنية نفذت خلال شهر سبتمبر الفائت، أكثر من 25 عملية عسكرية نوعية. العمليات نفذتها القوات البحرية وسلاح الجو المسير والقوة الصاروخية، واستهدفت سفن شحن ونفط إسرائيلية في البحر الأحمر، بينها الناقلة SCARLET RAY وسفينة الحاويات MSC ABY، ما أدى إلى تعطيل الملاحة الإسرائيلية لعدة أيام.
كما أطلقت القوة الصاروخية صواريخ من طراز فلسطين-2 الانشطاري وذو الفقار على عشرات المواقع الحساسة في يافا، القدس، ديمونا، النقب، مطار اللد، ومطار رامون، متسببة بشلل مؤقت لحركة الطيران.
وفي المقابل نفذ سلاح الجو المسيّر أكثر من 15 هجوماً بطائرات صماد-4 وأسراب مسيرات هجومية طالت موانئ أسدود وإيلات ومحطات الكهرباء في الخضيرة ومواقع عسكرية في حيفا وبئر السبع، ما أدى إلى تعطيل منشآت حيوية وإجبار ملايين المستوطنين على الاحتماء بالملاجئ.
Comments are closed.