“إيلات” تحت القصف.. كيف تعمّق المسيّرات اليمنية مأزق غياب “الردع” الإسرائيلي؟

ضرار الطيب

إلى جانب العدد الكبير من المصابين، كان الاختراق الأمني والتأثير الاقتصادي لهجوم الطائرة المسيرة اليمنية التي ضربت المركز السياحي لمدينة أم الرشراش المحتلة (إيلات) يوم الأربعاء، أبرز ما جعل الهجوم يشكل انتصارا جديدا لصنعاء على العدو الإسرائيلي، لأن العملية لم تكن “ضربة حظ” ولم تكن منفصلة عن الاستراتيجية العملياتية للجبهة اليمنية المساندة لغزة، ما يعني أنها أكثر نجاحا وثباتا من استراتيجية العدو ضد اليمن، وهو الأمر الأكثر أهمية في المشهد، لأن بقاء العدو عالقا في حالة استحالة ردع صنعاء أو احتواء دورها، يعني أن مسار المواجهة مفتوح فقط على المزيد من الإنجازات اليمنية.

لا إجابات:
بعد 24 ساعة من وصول الطائرة المسيرة، وعلى وقع أسئلة محرجة وتذمر صريح من فشل الجيش الإسرائيلي، أعلن الأخير يوم الخميس رسميا نتائج ما أسماه “التحقيق الأولي” في الضربة، والذي خلص إلى أن “اكتشاف الطائرة المسيرة تم في وقت متأخر نسبيًا، وتم تفعيل تنبيهات قيادة الجبهة الداخلية وفقًا للسياسة المتبعة، وقد بُذلت محاولات لاعتراض الطائرة المسيرة باستخدام منظومة القبة الحديدية، لكنها باءت بالفشل”.
وأضاف: “تم تحديد سبب ذلك، وتم تطبيق التصحيح عمليًا”.

باختصار، رفض الجيش الإسرائيلي أن يقدم أي إجابة واضحة، وذلك لأنه على الأرجح لا يملك واحدة، فقد فشلت منظومة الدفاع ثلاث مرات متتالية خلال نحو أسبوعين فقط، وفيما أُلقيت مسؤولية ضربة مطار (رامون) على عاتق “عدم تحديد الطائرة كهدف معادي”، ولم يتم أصلا نشر نتائج التحقيق في الضربة التي استهدفت مدخل فندق في “إيلات” الأسبوع الماضي، فإن الحديث عن “تأخر الرصد” يقوض محاولة الجيش الإسرائيلي للإيحاء بأن “خللا” ما حدث في جزء بسيط من آلية وتم إصلاحه، بل يؤكد أن الآلية كلها تبدو عاجزة عن توفير حماية فعالة ضد المسيّرات اليمنية.

قبل إعلان الجيش الإسرائيلي كانت هناك محاولات تفسير تستند على “التحقيقات الأولية” وتناقلتها العديد من وسائل الإعلام العبرية، مثل “هيئة البث” التي ذكرت أنه إلى جانب تأخر رصد الطائرة، فإنها كانت “تحلق على ارتفاع منخفض وسرعات منخفضة، ما جعل المهمة صعبة على أنظمة الكشف والاعتراض” لكن هذه ليست إجابة أيضا لأن جميع المسيرات أحادية الاتجاه تقريبا تحلق على ارتفاع منخفض وتسير ببطء نسبيا، إلا إذا كان القصد هنا هو أن منظومة الدفاع الإسرائيلية لا تستطيع التعامل بشكل جيد مع سلاح المسيّرات بشكل عام.

ولهذا فإن فشل الجيش الإسرائيلي في تقديم إجابة مقنعة، يوجه أنظار المتسائلين (داخل إسرائيل نفسها) نحو خصائص المسيرة نفسها أو تكتيك إطلاقها، وبرغم حرص العدو رسميا على تأكيد عدم وجود أي ميزات مختلفة في الطائرات التي نجحت هذا الشهر في الوصول إلى أهدافها، فإن هيئة البث الإسرائيلية بررت فشل الصواريخ الاعتراضية في الهجوم الأخير بأنه “في مرحلة ما، فقدت الأنظمة الدفاعية الطائرة، وأصابت المنطقة السياحية مباشرة”.

ويقول القائد السابق للدفاع الجوي الإسرائيلي، العميد احتياط دورون جافيش إن “أنظمة الدفاع لا تستهين بالعدو للحظة، ولكن الحوثيين متمرسون، ولديهم خبرة من الحرب مع السعودية لسنوات، وهم كأي عدو، يحاولون التطور”.
وفي السياق نفسه تذكر صحيفة “جيروزاليم بوست” أنه “كان لدى الحوثيين عدد لا حصر له من الفرص لرؤية الدفاعات الجوية الإسرائيلية أثناء العمل وتحديد متى وأين توجد نقاط الضعف، وليس الأمر أن إسرائيل لم تقم بعمل جيد في إسقاط تهديدات الحوثيين، لكن إذا سمحت لشخص ما بإطلاق النار لمدة عامين، فإنه في النهاية سوف يحصل على المزيد والمزيد من الفرص ليصيبك”.

“إيلات” تحت القصف:
محصلة ما سبق هي: سواء أكانت الطائرة المسيرة متطورة، أو أن منظومة الدفاع الإسرائيلي تعاني من قصور ما، أو أن القوات المسلحة اليمنية استطاعت أن تجد ثغرة تكتيكية، من الواضح أن هذا تهديد المسيرات اليمنية صار أمرا ملموسا، وأن مرحلة اعتراضها “خارج الحدود” انتهت، وهو ما يؤكد أن الاستراتيجية الإسرائيلية للتعامل مع الجبهة اليمنية سواء على مستوى محاولة وقف الهجمات المساندة لغزة، أو على مستوى “السيطرة على مستوى التصعيد”، قد فشلت تماما، في مقابل نجاح استراتيجية الإسناد اليمنية التي تراكم الإنجازات ضد منظومة الدفاع الإسرائيلية، وتركز بشكل ممنهج على زيادة مستوى الألم الاقتصادي للعدو.
يقول العميد احتياط ران كوخاف، وهو أيضا قائد سابق للدفاع الجوي الإسرائيلي: “الخلاصة هي فشل الاعتراض. حماية سماء البلاد هي المهمة الأولى للقوات الجوية، وقد فشلت في ذلك. الأعذار صحيحة، ولكن هناك مدينة سياحية، والناس يريدون قضاء العطلات والعيش والعمل والحصول على معدل اعتراض كامل، وعلى القوات الجوية أن تحقق المطلوب”.

وتقول صحيفة “معاريف” العبرية: “يبدو أن الحوثيين وجدوا ثغرة في أمن سماء مدينة إيلات، مما يدفعهم إلى مواصلة عملياتهم وبثّ الذعر والدمار” لافتة إلى أنه الطائرة المسيرة الأخيرة “أصابت قلب المركز السياحي لإسرائيل، في وضح النهار، خلال عطلة تعجّ فيها مدينة إيلات بعشرات الآلاف من الزوار والسياح، ولهذا فإن فشل نظام الدفاع الإسرائيلي خطير”.

وفيما لا يستطيع الجيش الإسرائيلي ضمان نجاح الاعتراض التالي، فإن المخاوف الأمنية والاقتصادية التي أحدثتها الهجمات الناجحة الأخيرة، ستستمر بالتعاظم في المدينة التي شاهدت بالفعل ميناءها يتحول إلى مكان مهجور بسبب الحصار البحري اليمني، وهي تعتمد بشكل رئيسي على السياحة، بل يعتمد عليها قطاع السياحة في كيان العدو بأكمله.

يقول رئيس بلدية إيلات إيلي لانكري: “يطمح الأعداء إلى تعطيل حياتنا وزرع الرعب وإلحاق الأذى بنا اقتصاديا ومعنويا”، ويضيف: “ميناء إيلات مهجور منذ ما يقارب عامين، وبالنسبة لإسرائيل، هذه صورة سيئة”.

وتابع: “الويل لنا إذا كان هناك حدث يتضمن إصابات جماعية، وإذا كانت هناك إصابة أكثر خطورة، فإن المستشفى هناك ليس مستعدا لتقديم الخدمات الطبية لمثل هذه الحوادث.. هناك فجوات كبيرة في الخدمات الطبية”.

ووفقا لأحد المستوطنين فإن “إيلات ليست مستعدة للحرب” بحسب ما نقلت يديعوت أحرنوت.
حتى “جمعية حماية الطبيعة” في كيان العدو عبرت عن مخاوفها الخاصة قائلة إنه “كان من الممكن أن تُلحق الطائرة المسيّرة أضرارًا بالبنية التحتية لشركة خط أنابيب النفط في إيلات، والتي تُمارس الشركة ضغوطًا لزيادة نقل النفط وتخزينه في المدينة”.
وأضافت: “من المُخيف التفكير في حجم الكارثة الأمنية والبيئية التي كانت ستقع لو اصطدمت الطائرة المسيرة بناقلة نفط راسية”.
لا أفق لـ”الردع”:

لقد كان الاعتماد على نظام الدفاع الجوي هو كل ما يستند إليه العدو في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية، في ظل غياب القدرة على “ردع” صنعاء، أو السيطرة على وتيرة العمليات من خلال الغارات العدوانية على اليمن واستراتيجية “فرض ثمن مرتفع لكل هجوم”، لكن الضربات الأخيرة الناجحة للطائرات المسيرة وقعت بعد أن اغتال العدو رئيس وعدد من وزراء الحكومة اليمنية في صنعاء، وهو ما تباهى به العدو كأكبر إنجاز له، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن هذه الاستراتيجية لا تعمل.

تقول (جيروزاليم بوست): “لا يمكن ردع الحوثيين بالوسائل التقليدية، وكل تغريدة يرسلها وزير الدفاع إسرائيل كاتس، ليهددهم فيها أكثر بعد كل مرة يضربون فيها إسرائيل، تسلط الضوء ببساطة على عجز إسرائيل عن منعهم من مواصلة إطلاق رشقات من الأسلحة بشكل دوري على إسرائيل”.
وتضيف: “المرات الوحيدة التي لم يطلقوا فيها النار على إسرائيل كانت خلال وقف إطلاق النار في غزة”.
ما يعنيه ذلك هو أن قصف اليمن مجددا، وهو ما فعله جيش العدو يوم الخميس، ليس الحل، بل التوقف عن قصف غزة.

 

المصدر:”رادار360″

Comments are closed.

اهم الاخبار