عضو الشورى د. عمرو معد يكرب الهمداني: ثورة 21 سبتمبر أسقطت مشاريع تفتيت اليمن وأنهت الوصاية
قال عضو مجلس الشورى، الدكتور عمرو معد يكرب حسين الهمداني، أن ثورة 21 سبتمبر جاءت في سياق تاريخي مليء بالتحديات، ورفعت منذ انطلاقتها شعارات الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد وتحقيق الشراكة الوطنية، كنتاج ضروري لاستكمال أهداف الثورة الـ 26 من سبتمبر في التحرر والعدالة.
وأكد الهمداني في حوار أجرته معه صحيفة “الوحدة”، أن ثورة 21 سبتمبر تميزت عن غيرها من التحولات السياسية في اليمن بعدة عوامل جذرية، باعتبارها ثورة شعبية خالصة استهدفت تحرير القرار الوطني من الوصاية الخارجية (خاصة السعودية وأمريكا)، وإسقاط مشاريع التقسيم “الأقاليم الستة” التي تم التخطيط لها عبر مؤتمر الحوار الوطني.
مشيراً إلى أن ثورة 21 سبتمبر واجهت بعد نجاحها في عام 2014م تحديات جسيمة، كالعدوان العسكري الخارجي، بقيادة السعودية والإمارات، وبدعم أمريكي-صهيوني مباشر منذ مارس 2015، استهدف البنية التحتية والاقتصاد بصورة ممنهجة، لافتا إلى أن هذه الثورة واجهت أيضا حربًا اقتصادية شاملة، تمخض عنها نقل البنك المركزي إلى عدن وطباعة العملة بدون غطاء مما سبب انهياراً اقتصادياً، بالإضافة إلى تحديات أمنية داخلية كمحاولات إرهابية تفجيرية من قبل القاعدة وداعش.
حاوره/ نجيب علي العصار
- كيف تنظرون إلى العلاقة التاريخية والفكرية بين ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 21 سبتمبر 2014م؟
ترتبط ثورتا 26 سبتمبر 1962م و21 سبتمبر 2014م بروابط تاريخية وفكرية عميقة، تجسّدت في السعي لتحرير اليمن من السيطرة والاستبداد؛ ثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بالنظام الإمامي الملكي في شمال اليمن، مثلت نقطة تحول نحو الجمهورية والحداثة.
أما ثورة 21 سبتمبر 2014م، فقد جاءت كرد فعل على الفساد والضعف الحكومي، وكانت نتاج ضروري لاستكمال أهداف الثورة السابقة في التحرر والعدالة؛ كلا الثورتين تستند إلى خطاب ثوري يؤكد على السيادة الوطنية ومقاومة التدخل الخارجي، اختلفت الظروف الدولية وطبيعة التحديات، يمكن النظر إلى ثورة 2014 كامتداد فكري لثورة 1962 في رفض الاستبداد، لكن مع اختلاف الوسائل والسياقات.
تحولات
- ما الذي ميّز ثورة 21 سبتمبر عن غيرها من التحولات السياسية التي شهدها اليمن خلال العقود الماضية؟
ثورة 21 سبتمبر تميزت عن غيرها من التحولات السياسية في اليمن بعدة عوامل جذرية، حيث كانت ((ثورة شعبية خالصة)) استهدفت تحرير القرار الوطني من الوصاية الخارجية (خاصة السعودية وأمريكا) وإسقاط مشاريع التقسيم (كمشروع الأقاليم الستة) الذي تم التخطيط له عبر مؤتمر الحوار الوطني .
وحققت ثورة 21 سبتمبر ((استقلالية القرار)) ورفضت الفساد والهيمنة، مما دفع تحالفاً عدوانياً إلى شن حرب شاملة عليها منذ مارس 2015 .
كما تميزت بـ ((السلمية النسبية)) و((الحكمة القيادية المتمثلة بالقائد الفذ الحكيم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي)) التي تجلت في اتفاق السلم والشراكة الوطني، فضلاً عن ((الصمود الاستثنائي)) تحت وطأة الحصار والعدوان، مما مكنها من تحقيق إنجازات عسكرية وتصنيعية نوعية غير مسبوقة في تاريخ اليمن الحديث.
تصحيح المسار
- هناك من يقول أن ثورة 21 سبتمبر جاءت لتصحيح مسار ثورة 26 سبتمبر، ما مدى دقة هذا الطرح من وجهة نظركم؟
يمكن القول أن هذا الطرح نسبي ويعتمد على زاوية نظر المهتمين ثورة 26 سبتمبر 1962 كانت حدثاً تاريخياً مفصلياً نقل اليمن من نظام الإمامة إلى نظام جمهوري، وفتحت الباب أمام بناء دولة حديثة؛ أما ثورة 21 سبتمبر 2014 فقد جاءت في سياق مختلف، معبرة عن حالة احتجاج واسعة ضد الفساد والتبعية والتهميش السياسي؛ ونرى أنها تصحيح لمسار ثورة سبتمبر الأولى بإعادة الاعتبار للشعب وقراره المستقل،
نجحت الثورة في تحقيق إنجازات عسكرية وتصنيعية نوعية في اليمن
والواقع أن 21 سبتمبر أعادت طرح أسئلة جوهرية حول معنى السيادة والعدالة الاجتماعية والشراكة الوطنية، لكنها في الوقت ذاته خلقت تحديات كبيرة مرتبطة بالصراع والحرب المستمرة؛ بالتالي يمكن اعتبارها محاولة لإحياء بعض مبادئ سبتمبر، لكن نجاحها في “تصحيح المسار” مرهون بقدرتها على إنهاء الصراع وبناء دولة عادلة جامعة.
عدوان خارجي
- ما أبرز التحديات التي واجهت ثورة 21 سبتمبر في سنواتها الأولى، وكيف تمكنت من الاستمرار رغم الظروف الداخلية والخارجية؟
واجهت ثورة 21 سبتمبر بعد نجاحها في عام 2014م تحديات جسيمة، تمثلت في ((عدوان عسكري خارجي)) بقيادة السعودية والإمارات بدعم أمريكي-صهيوني مباشر منذ مارس 2015، استهدف البنية التحتية والاقتصاد بصورة ممنهجة، كما واجهت ((حربًا اقتصادية شاملة)) شملت نقل البنك المركزي إلى عدن وطباعة العملة بدون غطاء مما سبب انهياراً اقتصادياً، بالإضافة إلى ((تحديات أمنية داخلية)) تمثلت في محاولات إرهابية تفجيرية من قبل القاعدة وداعش.
رغم ذلك، تمكنت الثورة من الاستمرار بفضل قيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الحكيمة، اتخذت قراراً سيادياً مستقتلاً، و((صمود شعبي)) غير مسبوق، و((تطوير القدرات العسكرية المحلية)) بشكل كبير، خاصة في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي فرضت معادلات جديدة؛ كما ساهم ((التماسك الداخلي)) واليقظة الأمنية في كشف شبكات التجسس والعمالة، مما ضمن استمرار الثورة في تحقيق أهدافها رغم كل التحديات .
تحول جذري
- كيف أثرت ثورة 26 سبتمبر على الوعي الوطني لليمنيين، وهل ما زالت مبادئها حاضرة بقوة في الواقع السياسي والاجتماعي؟
أحدثت ثورة 26 سبتمبر 1962 تحولاً جذرياً في الوعي الوطني لليمنيين، حيث أسقطت النظام الإمامي الذي استمر لقرون وأعلنت قيام الجمهورية العربية اليمنية؛ عززت الثورة الهوية الوطنية ووحدت مختلف الأطياف الاجتماعية والسياسية تحت راية قيم الحرية والمساواة والعدالة؛ كما حررت اليمنيين من العزلة والجهل، وفتحت الباب أمام التعليم ومشاركة المرأة في الحياة العامة، مما عمق الانتماء الوطني.
واجهت ثورة 21 سبتمبر تحالفاً عدوانياً وحرباً اقتصادية شاملة منذ انطلاقتها الأولى
اليوم، لا تزال مبادئ الثورة حاضرة بقوة في الواقع اليمني، خاصة في ظل التحديات الراهنة ومع ذلك، يظل اليمنيون يتشبثون بروح الثورة كرمز للكرامة والمقاومة، ويستلهمون منها الأمل في بناء دولة مدنية حديثة وهو ما يجعلهم متمسكين بالاحتفاء بثورة 21 سبتمبر كاستمرار لهذا الوعي الجمعي.
معادلة جديدة
- ألا ترى أن ثورة 21 سبتمبر نجحت في تحقيق أهدافها الرئيسية التي أعلنتها منذ انطلاقتها؟
ثورة 21 سبتمبر جاءت في سياق تاريخي مليء بالتحديات، ورفعت منذ انطلاقتها شعارات الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد وتحقيق الشراكة الوطنية؛ لا شك أنها حققت بعض أهدافها، وأوجدت معادلة جديدة غيّرت موازين القوى في الداخل، وأبرزت صوتاً كان مهمشاً لسنوات طويلة؛ لكنها في المقابل واجهت عوائق كبيرة، أهمها التدخلات الخارجية والحرب المستمرة، التي أعاقت عملية البناء والتنمية، وأثرت سلباً على الوضع المعيشي للمواطن.
21 سبتمبر نجاحها مرهون في “تصحيح المسار” وإنهاء الصراع وبناء دولة عادلة
يمكن القول إن الثورة نجحت سياسياً في فرض حضورها وإعادة رسم المشهد اليمني، لكنها لم تتمكن حتى الآن من ترجمة كل شعاراتها إلى إنجازات ملموسة على صعيد الدولة والخدمات العامة بسبب الظروف المعقدة المحيطة بها.
تحول تاريخي
- كيف يمكن للشباب اليوم أن يستفيدوا من دروس الثورتين، وما الدور المطلوب منهم في حماية مكتسباتهما؟
الشباب هم القوة الحقيقية لأي تحول تاريخي، وتجربتا 26 سبتمبر و21 سبتمبر تحملان دروساً عميقة يمكن أن يستفيدوا منها اليوم؛ أهم هذه الدروس أن الحرية والسيادة لا تُمنح، بل تُنتزع بتضحيات وصمود، وأن حماية المكتسبات تحتاج وعياً وطنياً عالياً يتجاوز المصالح الضيقة. على الشباب أن يدركوا أن هاتين الثورتين لم تكونا مجرد أحداث عابرة، بل محطات مفصلية رسمت مسار اليمن الحديث، وعليهم مواصلة ما بدأه الآباء بالعلم والمعرفة والعمل والإبداع، بعيداً عن التعصب والانقسام. دورهم اليوم يتمثل في حماية وحدة الوطن، تعزيز روح المسؤولية، والمشاركة الفاعلة في بناء مؤسسات الدولة وصون قرارها المستقل، بما يضمن أن تظل مكتسبات الثورتين حية في وجدان الأجيال القادمة.
استقلال القرار
- ما مدى تأثير التدخلات الخارجية على مسار الثورتين، وكيف تعاملت القيادات الوطنية معها؟
التدخلات الخارجية كان لها دور بارز في مسار الثورتين؛ فثورة 26 سبتمبر واجهت منذ بداياتها محاولات إفشال وإجهاض من قوى إقليمية ودولية خشيت من تحوّل اليمن إلى دولة جمهورية مستقلة القرار، ومع ذلك استطاعت القيادات الوطنية حينها، عبر التضحيات وبناء التحالفات الداخلية، أن تصمد وتُرسخ مبادئ الثورة.
ما تزال مبادئ ثورة 26 سبتمبر حاضرة بقوة في الوعي الجمعي لليمنيين
أما ثورة 21 سبتمبر، فقد جاءت في ظرف إقليمي شديد التعقيد، وتعرضت منذ أيامها الأولى لحصار وحرب شاملة هدفها كسر إرادتها وإعادة اليمن إلى مربع الوصاية؛ تعاملت القيادات الوطنية معها بالاعتماد على الصمود الشعبي، وتوظيف الوعي الجماهيري، ومحاولة بناء معادلة توازن تحفظ استقلال القرار اليمني. يمكن القول ان التدخلات الخارجية عطّلت مسار البناء، لكنها لم تلغِ إرادة الشعب في مواصلة مسيرته الثورية.
رؤية جامعة
- ما الذي يحتاجه اليمن اليوم ليجمع بين أهداف ومبادئ ثورتي 26 و21 سبتمبر لبناء دولة مستقلة وقوية؟
اليمن اليوم بحاجة إلى رؤية جامعة تستلهم روح ثورتي 26 و21 سبتمبر معاً؛ الأولى بما حملته من قيم الحرية والجمهورية وبناء الدولة الحديثة، والثانية بما أكدته من الاستقلال الوطني ورفض الوصاية الخارجية. الجمع بينهما يتطلب مشروعاً وطنياً يقوم على التوافق السياسي، والمصالحة المجتمعية، وتكريس مبدأ الشراكة العادلة بين كل المكونات.
نحتاج اليوم إلى مشروع وطني جامع يستلهم من روح ثورتي 26 و21 سبتمبر
كما يحتاج اليمن إلى الاستثمار في التعليم والاقتصاد وبناء مؤسسات قوية قادرة على خدمة المواطن بعيداً عن الفساد والمحاصصة. الشباب بدورهم يجب أن يكونوا في صدارة هذا المشروع عبر العلم والعمل والابتكار، فيما تتحمل القيادات مسؤولية وضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات ضيقة؛ بهذه المعادلة يمكن لليمن أن يؤسس لدولة مستقلة، عادلة، وقادرة على مواجهة التحديات.
إرادة لا تُكسر
- ما الرسالة التي تودون توجيهها للشعب اليمني في ذكرى الثورتين، خصوصاً في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد؟
رسالتي إلى الشعب اليمني في ذكرى الثورتين هي أن يستحضر روح التضحية والوحدة التي صنعت تلك التحولات الكبرى في تاريخ الوطن.
لقد أثبت اليمنيون أنهم قادرون على مواجهة التحديات مهما كانت قاسية، وأن إرادتهم إذا اجتمعت لا تُكسر؛ اليوم ونحن نعيش ظروفاً صعبة سياسياً واقتصادياً وإنسانياً، فإن الحاجة ماسة إلى تعزيز الوعي الوطني، والتمسك بمبادئ الاستقلال والحرية، ونبذ كل ما يفرق الصف. المستقبل لا يُبنى إلا بسواعد اليمنيين أنفسهم، بالعلم والعمل والإصرار على تجاوز الخلافات. الثورتان كانتا من أجل الكرامة والسيادة، وعلى الأجيال الحالية أن تحافظ على هذا الإرث وتطوره لبناء دولة عادلة وقوية، تحفظ حقوق المواطن وتصون قرار الوطن المستقل.
Comments are closed.