“كشوفات إعاشة” بالعملة الصعبة.. آلاف بلا مهام
الوحدة|إدارة التحقيقات:
في واحدة من أخطر التسريبات المالية التي طفت على السطح، فجر ملف “كشف الإعاشة” لمسؤولين محسوبين على ما تسمى بـ الحكومة الشرعية المقيمين خارج اليمن، جدلا واسعا بين أوساط اليمنيين، على منصات التواصل الاجتماعي، في وقت يعجز فيه ملايين المواطنين داخل اليمن وتحديدا في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة عن تأمين وجبة واحدة في اليوم.
“كشف الإعاشة” يضم آلاف الأسماء من المنسوبين إلى حكومة الفنادق، المقيمين خارج البلاد غير العاملين في السلك الدبلوماسي، تُصرف لهم مبالغ شهرية بالدولار الامريكي والريال السعودي، تحت بند “إعاشة”، تبلغ في حدها الادنى (2000 دولار) وتتجاوز (7500 دولار)، بجانب رواتب شهرية تصرف من البنك المركزي في عدن.
ويرجع استحداث “كشف الاعاشة” إلى عهد رئيس مجلس الوزراء الأسبق في حكومة المرتزقة، أحمد عبيد بن دغر، وجرى اعتماد مخصصات لمسؤولين وإعلاميين وناشطين وموالين له، يقيمون في عواصم عدة، ويعيشون في بحبوحة ورغد عيش، من دون أي أعمال وظيفية تذكر لصالح اليمن واليمنيين.
مفارقات وواقع مقلوب
الملف الذي ظل طي الكتمان لسنوات، خرج إلى العلن عبر تسريبات تداولها نشطاء وصحفيون على منصات التواصل، هذه الفضيحة الجديدة أثارت موجة غضب عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي انفجرت بعدما كشف الصحفي فتحي بن لزرق عن صرف مبلغ قدره 11 مليون دولار وتحويله عبر البنوك إلى حسابات مسؤولين في حكومة المرتزقة يقيمون في الخارج، تحت مسمى “الإعاشة الشهرية”.
المبلغ الضخم الذي وصفه بن لزرق بأنه مجرد “دفعة أولى” حوّل النقاش العام في البلاد إلى عاصفة من التساؤلات: بأي وجه حق تُصرف هذه الأموال لمسؤولين غائبين عن الداخل، فيما يئن المعلمون من انقطاع رواتبهم لأشهر طويلة؟.
بن لزرق شدّد في منشوراته على أن استمرار هذه المخصصات أمر غير مقبول، ودعا إلى وقفها فوراً أو على الأقل ربطها بعودة المرتزقة إلى الداخل لاستلامها بالريال اليمني، مثل بقية الموظفين.
هذا الرقم الذي يعادل ميزانية تشغيلية لعدة وزارات داخل اليمن، أثار موجة من التساؤلات حول مصدر التمويل، والجهة التي صادقت على الصرف، والسبب وراء استمرار هذه التحويلات في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار الخدمات الأساسية في معظم المحافظات.
ناشطون: ما نراه اليوم ليس سوى رأس جبل الجليد وينبغي محاسبة كل الفاسدين وفتح كل الملفات بلا استثناء
وفقا لوثائق مسربة من “كشف الإعاشة”، فإن ما يصرفه البنك المركزي في عدن من الايرادات العامة للدولة بالمناطق المحررة بعد مصارفتها إلى الدولار والريال السعودي، يتجاوز مبلغ 40 مليون دولار شهريا، في وقت يعجز البنك عن صرف رواتب متأخرة لمنتسبي قوات الجيش والأمن وموظفي الدولة، ومخصصات تشغيل قطاع الخدمات.
ورغم هذه التصريحات، لم تعلن أي جهة رسمية حتى الآن وقف هذه المخصصات بشكل كامل، وهو ما جعل الشارع يعتبر مواقف حكومة الخونة مراوغة جديدة تهدف إلى امتصاص الغضب لا أكثر.
من يقف وراءها؟
إلى ذلك، نشر مركز المخا للدراسات دراسة بحثية كشفت أن المستفيدين من كشف الإعاشة لا يقتصرون على مسؤولين حكوميين، بل تشمل مغتربين وأشخاصا لم يسبق لهم العمل في القطاعين المدني أو العسكري، ما يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول معايير الصرف، وآليات التوزيع، والجهات التي تقف خلف هذا الإنفاق غير المبرر.
الدراسة أكدت أن استمرار هذه الكشوفات بصيغتها الحالية يساهم في إطالة أمد الحرب، ويضعف فرص عودة السلطة “الشرعية” إلى الداخل، إذ إن من يتقاضى مبالغ خيالية في الخارج لن يكون متحمسا للعودة إلى بيئة عمل محفوفة بالمخاطر، ومجردة من الامتيازات.
كما أبرزت الورقة البحثية الفوارق الصادمة بين ما يحصل عليه المستفيدون من كشف الإعاشة، وبين ما يتقاضاه الجنود التي تزج بهم حكومة المرتزقة في الجبهات، والذين يواجهون الموت يوميا دون تأمين أو رواتب منتظمة، ما يعكس خللا صارخا في العدالة المالية، ويضع تلك الحكومة الموالية للتحالف السعودي الإماراتي على اليمن أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
فضائح بالأرقام
وفي ذات السياق، مدير عام حسابات وموازنة رئاسة الوزراء في حكومة المرتزقة فتحي منجد، كشف عن حجم العبث والانفاق المالي على قيادات الخونة بالخارج والداخل بدفع مرتبات باهظة بالعملة الصعبة الأمر الذي يضاعف حجم العجز الحكومي في الموازنة العامة ويوثر على خطة الانفاق العام:
- 37 وزيرا يتقاضون راتبا 7000 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 259,000 دولار شهريا تصرف من البنك الأهلي السعودي من عائدات النفط.
- 30 مستشارا لرئاسة الوزراء يتقاضون راتبا 4500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 135,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط.
- 220 وكيل محافظين يتقاضون راتبا 4500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 990,000 دولار شهريا تصرف من البنك الأهلي السعودي من عائدات النفط.
- 120 عضو مجلس نواب يتقاضون راتبا 5500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 660,000 دولار شهريا تصرف من البنك الأهلي السعودي من عائدات النفط.
- 52 سفيرا يتقاضون راتبا 7000 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 364,000 دولار شهريا تصرف من البنك الأهلي السعودي من عائدات النفط.
- 52 قنصلا يتقاضون راتبا 4500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 234,000 دولار شهريا تصرف من البنك الأهلي السعودي من عائدات النفط.
- 111 موظفا تابعين للوزراء يتقاضون راتبا 3000 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 333,000 دولار شهريا تصرف من البنك الأهلي السعودي من عائدات النفط.
- 600 إعلامي يتقاضون راتبا 2500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 1,500,000 دولار شهرياً تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط.
- 300 مستشاري وزراء ومفوضين يتقاضون راتبا 4000 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 1,200,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط.
- 30 موظفا برئاسة الوزراء يتقاضون راتبا 2500 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 75,000 دولار شهريا تصرف من البنك الاهلي السعودي من عائدات النفط.
جدل بلا حسم
كما نشر الرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة باليمن، عبد القادر الخراز، على حائطه بمنصة “فيس بوك” بعضا من أسماء ومخصصات “كشف الإعاشة”، وقال:” هذي المرتبات الدولارية “الإعاشة”، في 2021 قمنا بجرد جزء منها وفق العدد والمناصب وتحديد حجمها في حينه وبجدول مفصل”، منوها بأن “الإعاشة تصرف بجانب مخصصاتهم بالريال اليمني”.
شعارات جوفاء
لكن جوهر القضية ليس في السجال الإعلامي فقط، بل في انعكاساتها الاقتصادية الخطيرة. الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي قال في منشور على صفحته في الفيس: “كيف يمكن للبنك أن يقنع المواطنين والمستثمرين بجدّية الإصلاح بينما تُصرف ملايين الدولارات شهرياً لمسؤولين لا يقومون بأي مهام فعلية داخل البلاد؟
وأضاف أن: استمرار هذه الممارسات يفرغ سياسات التقشف المعلنة من مضمونها، ويحوّلها إلى مجرد شعارات جوفاء.
الأرقام هنا تفضح حجم المفارقة، فسعر الصرف في عدن يوم 3 سبتمبر بلغ نحو 1630 ريالاً للدولار الواحد، ما يعني أن مبلغ 11 مليون دولار يعادل قرابة 17.9 مليار ريال يمني، وهذا الرقم وحده يكفي لتغطية رواتب أكثر من 98 ألف معلم لمدة ثلاثة أشهر، على أساس راتب شهري يقدّر بـ 60 ألف ريال.
وبالمقابل، فإن هذا المبلغ يوزع على بضع مئات من الخونة في الخارج تحت بند “الإعاشة”، وسط تقديرات تقول إن بعضهم يتقاضى ما بين 2500 و7000 دولار شهرياً، بل وهناك من يحصل على أكثر من ذلك.
هذه المقارنات ليست مجرد حسابات رياضية، بل هي مرآة تعكس واقعاً مقلوباً: دولة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها الأساسيين، لكنها قادرة على ضخ ملايين الدولارات إلى الخارج لمسؤولين يتفرجون من بعيد على معاناة الداخل.
المفارقة تزداد قتامة حين نتذكر أن البنك المركزي في عدن يفرض إجراءات صارمة على شركات الصرافة، ويحدد سقوفاً للحوالات الخارجية، ويشدد قبضته على السوق بدعوى حماية العملة ومنع المضاربة.
يتساءل الحمادي: كيف يستقيم خطاب التقشف مع سياسة الإعاشة بالدولار؟ وكيف يثق المواطن في إصلاحات تُمارَس بيد بينما اليد الأخرى تفتح صنبور الهدر؟!.
مطالبات بالتحقيق
من جهته، هاجم القيادي فيما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي فادي باعوم، ما أسماه “التلميع الإعلامي” للقضية، مؤكداً أن هذا الملف ليس “اكتشاف العصر” وأنه تحدث عنه مراراً منذ عام كامل، بل وكتبت عنه صحف محلية عديدة.
باعوم قال بوضوح: “اللص يبقى لصاً، وما نراه اليوم ليس سوى رأس جبل الجليد، وينبغي محاسبة كل الفاسدين وفتح كل الملفات بلا استثناء”.
غضب شعبي
وطالب الشارع الشعبي، الذي تابع تفاصيل الملف بذهول وغضب، بفتح تحقيق عاجل، ونشر الكشوفات كاملة، ومحاسبة كل من تورط في تمرير هذه المبالغ، سواء من داخل الحكومة أو من الجهات المالية المرتبطة بها.
وتساءل المواطنون الذين يتقلبون بين الأسعار الملتهبة والقدرة الشرائية المعدومة، جميعهم يتساءلون: بأي وجه حق تُصرف هذه الإعاشة، ومن المستفيد منها؟.. وما الذي قدمه هؤلاء المرتزقة “المنفيون الطوعيّون” في الخارج لاستحقاق كل هذه المبالغ؟
يقول جلال ثابت محمود، مدرس من مدينة عدن في منشور كتبه على صفحته بالفيسبوك: “ثلاثة أشهر وأنا أذهب إلى المدرسة يومياً دون راتب، لا أستطيع شراء مستلزمات أطفالي، وأحياناً أضطر للاقتراض من زملائي، عندما سمعت أن 11 مليون دولار صرفت لمسؤولين في الخارج، شعرت أنني بلا قيمة في هذا البلد”.
وأردف: “أضطر للاقتراض من زملائي، عندما سمعت أن 11 مليون دولار صرفت لمسؤولين في الخارج، شعرت أنني بلا قيمة في هذا البلد”.
وأضاف: المواطنون اليوم لا ينتظرون بيانات نفي أو ترحيل للأزمات، بل يريدون إجابة واحدة بسيطة: لماذا تصرف ملايين الدولارات لمسؤولين في الخارج، بينما الداخل يغرق في العجز والجوع؟!.
ردود أفعال الكترونية
لايزال ملف كشوفات الإعاشة يتفاعل معه الناس في وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد خروج معلومات جديدة تفيد بأن البنك المركزي حول الأسبوع الماضي 11 مليون دولار الى حسابات المرتزقة المقيمين في الخارج.
37 وزيرا يتقاضون راتبا 7000 دولار شهريا بكشف الإعاشة بإجمالي 259,000 دولار شهريا
هذا الأمر أثار غضب ناشطين وإعلاميين أطلقوا حملة إلكترونية تطالب بوقف الإعاشات، معتبرين صرف هذه المبالغ هدرا للمال العام في قت يعاني فيه ملايين اليمنيين من الفقر والجوع وانعدام الخدمات الأساسية، الدبلوماسي الدكتور وهيب خدابش، قال من حق المجتمع أن يطالب برفع الغطاء عن كشوفات الإعاشة، وكشف أسماء المتورطين فيها، باعتبارها شكلا من أشكال النهب المنظم للمال العام.
وتابع :”الغريب أن جميع الأطراف (مجلس رئاسة وحكومة ومسؤولين بارزين ومعارضة وغيرهم) متفقين على عدم نشر أسماء كشوفات الإعاشة، لأنهم جميعا متورطين بهذه الكشوفات”.
Comments are closed.