طه العامري: جدلية العلاقة بين ” العرب” و” الغرب”؟!

حاول الكثير من فلاسفة العرب ومثقفيهم تفكيك تعقيدات العلاقة العربية _الغربية، في محاولة من هذه النخب الظهور أمام الغرب بمظهر التحضر وأن بالإمكان “تلاقح الحضارات” فيما البعض ذهب حد التطرف في إدانته لمرحلة الفتوحات الإسلامية واعتبارها مرحلة استعمارية قام بها العرب ضد الغرب.؟!.

هناك آخرون من النخب العربية ذهبوا يتحدثون عن العلاقة الإنسانية وعن كونية الإنسان وثقافته، وأن العرب بإمكانهم التماهي مع الحضارة الغربية لو جنبوا الدين جانبا وتعاملوا مع “الغرب” بمعزل عن الإيدلوجية الدينية والعقائدية.. آخذين فكرة “تجديد الخطاب الديني”نافذة نحو التماهي مع حضارة ” الغرب” تحت تأثير التحولات الحضارية والصناعية والتقدم العلمي الذي حققه “الغرب”..؟!

هذه الرؤى المهزوزة رغم فداحتها لم تلق استجابة من “الغرب” بكل منظوماته السياسية والفكرية والثقافية والاستراتيجية، فالغرب لم ينظر للعرب كما ينظر العرب إليه، فالغرب يرى العرب وينظر إليهم بعين واحدة، هي عين الازدراء والسخرية منهم، فهم يملكون الموقع الاستراتيجي ويتحكمون بطرق التجارة الدولية والممرات البحرية والمضائق ولديهم كم هائل من الثروات والمواد الخام التي يحتاجها الغرب كل الغرب دون استثناء، ولديهم أي لدى العرب كل المقومات الحضارية وعلى أرضهم ظهرت كل الديانات السماوية، يعني لديهم مخزون روحي هائل، فإذا تركوا يشكلون مسارهم الحضاري فسيكون هذا كارثة على الغرب وحضارته وتقدمه، وبالتالي من الأهمية أن ينظر العرب للغرب بعيون متعددة، تتقاطع مع مصالح مكوناتهم القطرية التي شكلها الغرب لهذه الغاية.

وقد نجح الغرب في تحقيق أهدافه في تطويع العرب وتدجينهم عملا بوثيقة رئيس وزراء بريطانيا 1920م الذي جمع المنظومة الغربية الكاملة رغم تعددهم العرقي والديني والثقافي واللغوي ووضعهم أمام واقعهم المر متسائلا عن سر خلافاتهم في ما بينهم فيما أوطانهم لا تملك شيئا من مقومات التقدم وكل شيء يحتاجونه لا يملكونه بل يملكه العرب، وموجود كما وصف في منطقة الشرق الأوسط التي يجب تحت سيطرة وهيمنة الغرب.

أعود وأقول إن “الغرب” ينظر للعرب بعين واحده، فيما العرب ينظرون لأنفسهم ولبعضهم بعيون متعددة، دينية، ومذهبية، وطائفية، وقبلية، ومناطقية، وعرقية، وجغرافية.

فيما ينظرون للغرب بتعدد أهدافه كحامي لوجودهم وأقرب لهم من بعضهم.

“الغرب” بنظرته للعرب لا يفرق بين مسلم، ومسيحي، ويهودي، ولا بين عرب المشرق، وعرب المغرب، بل يرى الكل بمنظار مصالحه الاقتصادية، وحرص من أجل تأمين وديمومة هذه المصالح على تفخيخ الكيانات القطرية العربية بقنابل مؤقوته ممثلة ب” الأقليات العرقية” التي كان يمكن أن تكون رافدا من روافد التعايش الثقافي والحضاري الذي عشته الأمة العربية خلال 13 قرنا، إلا أن الرؤية انقلبت اوائل القرن العشرين، مع تشكل الكيانات القطرية وفشل الدولة القطرية في تقديم النموذج الحضاري للتعايش الاجتماعي القادر على استيعاب هذه الأقليات  ودمجها في المجتمع العربي باعتبارها جزءا اساسيا من مكون المجتمع داخل المكون القطري، فيما تراثها الثقافي والحضاري جزء من التنوع الثقافي الوطني.

كان الفكر القومي العربي قد حمل في مشروعه هذا التوجه غير أن حربا شنت عليه وعلى رموزه ذهبت حد شيطنة الفكر القومي بفتاوي علماء دين مسلمين وتبني نظام “آل سعود” وقوي رجعية عربية أخرى مرتبطة بقوي “الغرب” مهمة شيطنة الفكر القومي والقومية العربية ليس لأنها علمانية أو كافرة كما زعموا ولكنها ضد مصالح الغرب وضد مصالح أتباعه في المنطقة، وضد هيمنة قوي الرجعية العربية والإقطاع الاجتماعي.

Comments are closed.

اهم الاخبار