دعوة عربية للتخلي عن “العجز” وتحرك إسلامي حاسم لوقف “حرب الإبادة الإسرائيلية”
الوحدة نيوز/ توالت المواقف العربية والإسلامية الداعية إلى التحرك الحاسم والتخلي عن العجز لوقف المجاعة وحرب الإبادة التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء قطاع غزة، في سياق المساعي الهادفة للبحث عن فعل يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية المتواصلة في القطاع، والتي جاءت بالتزامن مع انقلاب جديد وصادم لكيان العدو.
وبينما يواجه الفلسطينيون أعتى صور القتل والتجويع، يبقى الرهان معقوداً على ما إذا كان هذا التحرك العربي والإسلامي سيبقى في دائرة الأقوال والبيانات، أم سيتحوّل إلى خطوات عملية توقف نزيف الدم وتفتح الباب أمام عدالة طال انتظارها.
فقد دعت منظمة التعاون الإسلامي، لتنسيق العمل من أجل تعليق عضوية كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة.
وجاء في البيان الختامي للاجتماع الطارئ لجلسة وزراء خارجية دول المنظمة، الذي عقد في مدينة جدة السعودية بمشاركة 57 دولة: “ندعو الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى متابعة دراسة مدى توافق عضوية إسرائيل مع ميثاق الأمم المتحدة، بالنظر إلى مخالفتها الواضحة لشروط العضوية وانتهاكاتها المتكررة لقرارات الأمم المتحدة، وتنسيق العمل من أجل تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة”.
ولم يكتف البيان الختامي للاجتماع بالإدانة، بل أكد على جملة من المطالب الأساسية، أبرزها: وقف فوري للعدوان ورفع الحصار عن غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط.
كما دعا إلى تحرك إسلامي جماعي في الأمم المتحدة والمحافل الدولية لإرغام الاحتلال على الانصياع للقانون الدولي، مع إعادة التأكيد على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد البيان أن “السلام العادل والدائم والشامل لا يمكن تحقيقه إلا عبر تنفيذ حل الدولتين القائم على انهاء الاحتلال الاستعماري الاسرائيلي، بما يضمن تجسيد دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية”.
وندد البيان “بجرائم الإخفاء القسري والإعدام والتنكيل والتعذيب وجميع الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها اقتحام الوزير المتطرف بن غفير زنزانة القائد الوطني الفلسطيني مروان البرغوثي وتهديده، ويدعو المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن الدولي وهيئة الصليب الأحمر الدولية والمحكمة الجنائية الدولية للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي للكشف عن مصير المختطفين الفلسطينيين لديها والعمل على إطلاق سراحهم فورا وضمان توفير الحماية لهم، كما يطالب بتحقيق مستقل وشفاف حول جميع الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين، وضمان ملاحقة المجرمين الإسرائيليين ومساءلتهم”.
ورحب البيان بالنتائج التي خلص إليها المؤتمر الدولي المعني بمسألة القدس، الذي انعقد في داكار في 9 يوليو، ولا سيما حشد الدول والمجتمع المدني الدولي والأوساط الأكاديمية من أجل تعزيز المناصرة والعمل على الحفاظ على الأبعاد الثقافية والدينية والديموغرافية للمدينة المقدسة، بجميع الوسائل القانونية والسياسية الممكنة.
وقال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه: “نحن مدعوون لمضاعفة جهودنا على مختلف الجبهات في مواجهة جرائم إسرائيل المستمرة، بما في ذلك العدوان العسكري، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، والتدمير الممنهج، والحصار غير القانوني لقطاع غزة، واستخدام التجويع أو الحرمان من الغذاء كسلاح حرب، وسياسات الاستيطان والضم، والاعتداءات على الأماكن المقدسة، وخاصة القدس الشريف”.
وأضاف: “نحمل إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم”.
وتابع: ” ندين إعلانها عن نيتها فرض سيطرة عسكرية كاملة على قطاع غزة، وتصريحات رئيس وزرائها بشأن ما يسميه “رؤية إسرائيل الكبرى”.
ودعا طه المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات ملموسة لكسر الحصار والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية.
وأدان طه الموافقة على بناء المستوطنات في منطقة E1 بمدينة القدس المحتلة، وقتل الصحفيين في قطاع غزة، ما يستوجب الملاحقة القانونية وفق القانون الجنائي الدولي.
وأشار إلى أن “وكالة الأونروا تضطلع بدور حيوي وتحتاج إلى دعم سياسي ومالي وقانوني. وندعو إلى مواصلة الجهود لتحقيق وقف إطلاق النار، وضمان عودة النازحين، وانسحاب قوات الاحتلال، وعقد مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة”.
وختم طه قائلا: “نرحب بنتائج المؤتمر رفيع المستوى للتسوية السلمية، الذي عُقد برئاسة المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية. ونحن مدعوون إلى دعم وثيقته الختامية واعتمادها. كما نرحب بإعلان عدة دول الاعتراف بدولة فلسطين. ونحث الدول الأخرى على أن تحذو حذوها، وأن تدعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة”.
دعوة عربية للعالم بالتخلي عن “العجز”
في ذات السياق، أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بأشد العبارات، الغارات المتواصلة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بما في ذلك “المجزرة” الأخيرة بمجمع ناصر الطبي.
وقال جمال رشدي المتحدث، الرسمي باسم الأمين العام، إن “المقتلة” الأخيرة ليست سوى مجرد حلقة في سلسلة متواصلة من المجازر التي تستهدف المدنيين على نحو متعمد، مشيرا إلى اغتيال إسرائيل لأكثر من 12 صحفيا خلال الأسبوعين الماضيين وحدهما، بينما تبلغ حصيلة القتلى من الصحفيين المئات منذ بدء الحرب.
وأضاف المتحدث أن إسرائيل تسعى لإخفاء صورة ما يجري في غزة من فظائع، وكتم أي صوت ينقل الحقيقة.
ونقل عن الأمين العام للجامعة العربية، مطالبته المجتمع الدولي بكسر الصمت العالمي “المشين” على ما يجري كل يوم من بشاعات وجرائم غير مسبوقة بدم بارد، ومن دون أي عقاب أو حتى صوت مناهض يقول كفى لهذه المقتلة المتواصلة.
ولفت أبو الغيط، إلى أن عجز العالم عن فعل أي شيء يعني قبوله بالموت اليومي لعشرات الأبرياء في غزة باعتباره حدثا عاديا وهذه “جريمة كبرى”، قائلا إن الضمائر الحرة تنتفض لمشاهد المجاعة التي تلتهم أجساد الأطفال، وأن الساعات الماضية وحدها شهدت تسجيل عشرات الوفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية بالقطاع.
وشدد الأمين العام للجامعة، على أن رفع الصوت في مواجهة هذه الفظائع المخزية لا يمكن أن يتهم بمعاداة السامية، مؤكدا أن “نقد الممارسات الصهيونية والإسرائيلية لا يدخل في باب كراهية اليهود أو معاداة السامية”.
واتهم أبو الغيط، إسرائيل بتوظيف هذا الاتهام الجاهز ذريعة لكتم كل الأصوات الحرة التي تصرخ بانتقاد ممارسات تخاصم الإنسانية وتعادي الحضارة.
خطة اسرائيلية لتدمير غزة من 3 محاور
بدوره أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن كيان الاحتلال الإسرائيلي شرع فعليا في تنفيذ خطته لتدمير مدينة غزة وفرض هيمنته العسكرية غير القانونية عليها.
وأشار المرصد في بيان له، إلى أن جيش الاحتلال يشن عمليات نسف وتدمير واسعة للمربعات السكنية جنوبي المدينة وشرقها وشمالها في هجوم متزامن يزحف بالتدمير الشامل والمحو المنهجي نحو قلبها من ثلاثة محاور.
ويجري تنفيذ هذا الهجوم العسكري على الأرض بعد أن أعلن الاحتلال رسميا عن بدء عملية “عربات جدعون 2” في 20 أغسطس وتنفيذ “العمليات التمهيدية والمراحل الأولية” منها.
ووصف البيان هذه التطورات بأنها “تصعيد يشكل مرحلة جديدة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 23 شهرا.”
ولفت المرصد إلى أن أكثر من مليون إنسان يعيشون اليوم محاصرين في أقل من 30% من مساحة المدينة، ومهددين جميعا بالتهجير القسري نحو الجنوب ضمن هذه الخطة الرامية إلى “محو غزة وإخضاعها للتدمير المنهجي والسيطرة العسكرية الكاملة”، حسب البيان.
96% من سكان القطاع بلا سكن
من جهته، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن العجز في الإيواء داخل القطاع تجاوز 96%، محذرا من تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من 2.4 مليون فلسطيني.
وأوضح المكتب أنه ومنذ إعلان الاحتلال الإسرائيلي السماح بإدخال الخيام ومستلزمات الإيواء، لم يُدخل إلى غزة سوى نحو عشرة آلاف خيمة فقط، أي ما يعادل 4% من إجمالي الاحتياج البالغ 250 ألف خيمة، وهو ما يعكس حجم التلاعب والمماطلة في تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة.
وأضاف أن معابر القطاع تخلو حاليا من أي خيام أو مستلزمات إيواء، نتيجة العراقيل المعقدة التي يفرضها الاحتلال على عمل المنظمات الدولية، ما يفاقم معاناة مئات الآلاف من النازحين.
وأشار المكتب إلى أنه لا تتوفر أي مساحات آمنة للنزوح في جنوب قطاع غزة، في ظل سيطرة الجيش الإسرائيلي على ما يقارب 77% من مساحة القطاع، الأمر الذي يجعل أي عملية نزوح جديدة شبه مستحيلة ويشكل تهديدا مباشرا لحياة النازحين.
وحمل المكتب الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة المستمرة، مطالبا بتحرك دولي عاجل وفعال لوقف قرار اجتياح مدينة غزة، وإدخال الاحتياجات الإيوائية فوراً دون قيود أو شروط.
انقلاب صادم
يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر عبرية، عن “انقلاب صادم” في نهج التفاوض مع حركة حماس، حمل تغييرات خطيرة لا توحي بمؤشرات إيجابية بشأن وقف الحرب في غزة أو إطلاق سراح المحتجزين.
ونقلت “القناة 12” العبرية عن مسؤولين في كيان الاحتلال قولهم: “مقترح الوسطاء لم يعد ذا أهمية، لقد تجاوزناه. وأبلغناهم بوضوح أن الاتفاقيات المقبلة مع حماس ستتناول فقط الإفراج عن جميع الرهائن وإنهاء الحرب وفق شروط تقبلها إسرائيل”.
وشدد المسؤولون على أنه لن يكون هناك أي ربط بين الصفقة والعملية العسكرية الجارية، مؤكدين أن الحرب ستستمر بكل قوة بالتزامن مع أي مفاوضات لاحقة.
وسلطت القناة الضوء على تصريحات رئيس الأركان إيال زامير، الذي أكد أن “الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع نطاق العملية بالتركيز على مدينة غزة، وأن العملية العسكرية مستمرة لتحقيق جميع أهداف الحرب”.
وبحسب القناة، لم يحسم نتنياهو بعد ما إذا كان الوفد الذي زار الدوحة مؤخرًا سيبقى بتشكيلته الحالية أم سيُجري تعديلات عليه، مع ترجيحات بعودة رئيس الموساد دادي برنياع، الذي التقى مؤخرًا رئيس وزراء قطر، إلى الفريق المفاوض. وتنتظر المؤسسة الأمنية القرار النهائي لنتنياهو.
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة “معاريف” نقلاً عن مسؤولين سياسيين، إن التقديرات تشير إلى أنه خلال يومين أو ثلاثة أيام سيُحدد مكان جديد لإدارة محادثات التفاوض.
من جانبها، ذكرت صحيفة “هآرتس” أن رئيس الأركان وممثلي قيادة الجيش الإسرائيلي أوضحوا للمستوى السياسي أن على إسرائيل استثمار أدوات الضغط التي تحققها العمليات العسكرية في سبيل صفقة لإطلاق سراح الأسرى، حتى لو كانت صفقة جزئية.
بالتوازي، نقلت هيئة البث العبرية عن مصدر أمني أن احتلال مدينة غزة سيبدأ بعد الانتهاء من تطويقها، وهي عملية ستستغرق نحو شهرين.
وأشار المصدر إلى أن رئيس الأركان يفضّل أن يكون احتلال غزة بطيئًا حفاظًا على حياة الجنود، ولتجنب تعريض الأسرى للخطر.
مدن أسترالية وأوروبية تشهد تظاهرات غاضبة دعماً لغزة
تحولت قضية الإبادة الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة إلى قضية داخلية في السياسة الغربية؛ فقد وضعت أيرلندا الملف ضمن “الدفاع عن الديمقراطية”، فيما أدرجته كندا ضمن سياسات التنمية الدولية، أما هولندا فتهتز حكومياً، وأستراليا تواجه ضغطاً متزايداً على صفقات السلاح، ورغم ذلك يستعد “اليسار الألماني” لتنظيم مظاهرة أمام البرلمان للتضامن مع غزة، في تداخل يعكس أن مأساة غزة لم تعد ملفاً خارجياً بل باتت تمتحن شرعية الحكومات نفسها.
وتتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وسط قصف متواصل وتجويع ممنهج، تسببا في مفاقمة المأساة الإنسانية غير المسبوقة، وفيما يعاني أكثر من مليوني فلسطيني من الحصار والموت البطيء، ترتفع أعداد القتلى يوما بعد آخر تحت الأنقاض أو عند طوابير المساعدات.
وشهدت مدن أسترالية احتجاجات غير مسبوقة ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.
ففي ملبورن، التي تحولت إلى قلب الحراك، انطلقت مسيرة ضخمة من أمام مكتبة ولاية فيكتوريا باتجاه البرلمان، وصفت بأنها الأكبر منذ عقود. رفع المحتجون الأعلام الفلسطينية وصور الأطفال الذين قُتلوا تحت القصف، ولافتات تصف ما يجري في القطاع بـ”الإبادة”. كما رفعت صور لصحفيي الجزيرة الذين استهدفتهم إسرائيل مرفقة بشعار “الصحافة ليست جريمة”.
الهتافات طالبت الحكومة الأسترالية بطرد السفير الإسرائيلي ووقف صفقات السلاح وفق اطلاع بقش، في وقت يعتبر فيه المنظمون أن الموقف الرسمي صامت ومتواطئ. ورغم محاولات الشرطة تنظيم المسيرات، فإن عشرات الآلاف تدفقوا إلى الشوارع، واعتبر الناشطون أن حجم المشاركة تجاوز كل التوقعات.
لم يقتصر المشهد على ملبورن، بل امتد إلى سيدني وبريزبن وأديلايد وبيرث وكانبرا. خرجت مسيرات متزامنة رفعت شعارات العدالة للفلسطينيين وإنهاء الحصار على غزة. المنظمون أكدوا أن التحرك جزء من خطة طويلة تشمل التواصل مع نواب البرلمان وهيئات حقوقية دولية لممارسة ضغط سياسي واقتصادي مستمر.
شهادات المتظاهرين عكست بعداً إنسانياً واسعاً، طلاب ونقابيون وصحفيون ومواطنون عاديون شددوا على أن غزة ليست قضية سياسية فقط، بل قضية أخلاقية، في ظل مجاعة رسمية أعلنتها الأمم المتحدة وارتفاع أعداد الضحايا إلى أكثر من 62 ألف شهيد و157 ألف جريح.
إبادة تهدد الديمقراطية
تزامن الحراك الأسترالي مع تصريحات لافتة للرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز، الذي وصف ما يجري في غزة بأنه “فترة مأساوية من تاريخ العالم” و”تهديد للديمقراطية”. في مقابلة مع الإذاعة الأيرلندية، أكد هيغينز أن إسرائيل تسعى لقطع الصلة بين الضفة الغربية وغزة، متهماً قادة في الحكومة الإسرائيلية بالتنكر العلني للقانون الدولي.
الرئيس الأيرلندي دعا إلى تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتشكيل قوة تضمن وصول المساعدات الإنسانية حتى مع استخدام الفيتو في مجلس الأمن. وأكد أن “عالم اللامساءلة” الذي يسمح باستمرار الإبادة هو أخطر تهديد للنظام الدولي.
ومن أوتاوا، جاء الموقف الكندي أكثر وضوحاً. وزير التنمية الدولية رانديب ساراي قال إن “الإجراءات العسكرية الإسرائيلية جعلت المجاعة واقعاً مدمّراً في غزة”. وأشار إلى تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة، الذي أعلن رسمياً تفشي المجاعة في مدينة غزة مع احتمال امتدادها جنوباً.
الوزير الكندي حمّل إسرائيل بصفتها قوة احتلال المسؤولية القانونية عن عرقلة المساعدات وارتفاع أعداد الوفيات، مؤكداً أن الأطفال هم الأكثر تضرراً. وأوضح أن استمرار العدوان جعل الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم إلى مستوى كارثي.
استقالات تهز حكومة هولندا
في لاهاي، أدت مواقف متباينة بشأن فرض عقوبات على إسرائيل إلى استقالات متلاحقة في حكومة تصريف الأعمال. فقد استقال وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب أولاً احتجاجاً على رفض الحكومة اتخاذ إجراءات إضافية، ثم تبعه جميع الوزراء المنتمين لحزب “العقد الاجتماعي الجديد” وبينهم نائب رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والتعليم والصحة بالإنابة.
هذه الاستقالات أضعفت الحكومة وأظهرت حجم الانقسام داخل الأوساط السياسية الأوروبية بشأن العدوان على غزة. مراقبون أشاروا إلى أن الضغوط الشعبية والاحتجاجات المتكررة في أوروبا جعلت الأحزاب تخشى خسارة قاعدتها الجماهيرية إذا تجاهلت المواقف المناهضة للحرب.
الأرقام القادمة من غزة ترسم صورة كارثية، أكثر من 62 ألف شهيد و157 ألف جريح، إضافة إلى 281 وفاة بسبب الجوع، بينهم 114 طفلاً، وفق وزارة الصحة الفلسطينية وفق قراءة بقش. إعلان المجاعة رسمياً يعكس انهيار البنية الاقتصادية والمعيشية: حصار خانق، انعدام الغذاء والدواء، توقف المستشفيات، ونزوح مئات الآلاف.
النتائج الاقتصادية الإقليمية تتوسع أيضاً، حيث تعطلت سلاسل التوريد، وارتفعت أسعار الطاقة والشحن عالمياً، بينما تواجه دول مجاورة مثل مصر خسائر مباشرة نتيجة تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من 50% في 2024 بسبب الاضطرابات البحرية الناجمة عن الحرب.
تحولات جارية
هذه التطورات تكشف أن ما كان يُنظر إليه كحراك تضامني رمزي تحوّل إلى قوة ضغط حقيقية. في أستراليا، لم تعد القضية محصورة في الشارع؛ بل وصلت إلى البرلمان. في إيرلندا، أصبح الموقف الرئاسي مرجعية أخلاقية دولية. في كندا، تحوّل الملف إلى قضية سياسات تنموية وحقوقية. وفي هولندا، أسقط الانقسام الحكومة فعلياً.
الجامع بين هذه الأمثلة أن العدوان على غزة لم يعد ملفاً بعيداً جغرافياً، بل تحوّل إلى عامل داخلي يُعيد تشكيل النقاش العام والاقتصاد والسياسة في عواصم بعيدة، حتى وإن تخاذل عنه العرب وسكت عنه المسلمون كافة.
فتصاعد المظاهرات في أستراليا وأوروبا يجعل الحكومات الغربية أمام حسابات جديدة، الاستمرار في علاقات تجارية وعسكرية مع إسرائيل يعني مواجهة تكاليف سمعة متزايدة، وربما مقاطعات شعبية وصناديق استثمارية تسحب أموالها. أما الانعطاف نحو سياسات أكثر حزماً فقد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة أو الشركات الدفاعية الكبرى.
الأرقام الضخمة في ملبورن وسيدني، والاستقالات في لاهاي، وتصريحات هيغينز وساراي، كلها إشارات إلى أن الرأي العام لم يعد متفرجاً. هذه التحركات تُجبر الأحزاب السياسية على إعادة صياغة برامجها الانتخابية بما يتماشى مع مطالب الشارع، خاصة مع اقتراب انتخابات محلية وأوروبية.
“اليسار الألماني” ينضم لطابور المتضامنين مع غزة
ورغم ذلك، أعلن “حزب اليسار الألماني” عن دعمه الفعال لتنظيم فعالية جماهيرية كبرى للتضامن مع قطاع غزة الفلسطيني المحاصر أمام مبنى البرلمان الألماني في برلين يوم 27 سبتمبر المقبل.
ومن المنتظر أن يتم تنظيم الفعالية تحت شعار: “كل الأنظار على غزة – أوقفوا الإبادة الجماعية”.
وقال المدير التنفيذي للحزب على المستوى الاتحادي يانيس إلينغ أمام الصحفيين في برلين يوم الاثنين: “إن الحزب سيحشد لهذه الفعالية”.
وصرح بأن القيادة التنفيذية للحزب اتخذت هذا القرار خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وأضاف:” ندعو أعضاءنا إلى المشاركة في المسيرة أمام مبنى البرلمان في يوم 27 سبتمبر”.
وطالب إلينغ بمزيد من الضغط من قبل المجتمع الدولي، وكذلك بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تنص على بنود من بينها إقامة تعاون سياسي واقتصادي وثيق بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
ويشارك في تنظم المظاهرة جهات من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة الإغاثة “ميديكو إنترناشونال”، كما ستشارك فرقة الراب “كيه آي زد” بتقديم عرض موسيقي في المظاهرة.
ويأتي ذلك في ظل حالة تجويع تفرضها إسرائيل على القطاع الساحلي منذ أكثر من خمسة شهور، وإعلان الحكومة الإسرائيلية اعتزامها احتلال مدينة غزة وإجبار مئات آلاف الأشخاص على النزوح منها.
وفي نهاية يوليو، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن وزراء خارجية 15 دولة غربية، بما في ذلك أستراليا، دعوا إلى الاعتراف بدولة فلسطين على خلفية مؤتمر التسوية في الشرق الأوسط في نيويورك.
يذكر أن 147 دولة تعترف بدولة فلسطين، بما في ذلك روسيا. وفي عام 2024، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.
ومنذ عام 2024، اعترفت عشر دول بفلسطين، بما في ذلك أيرلندا والنرويج وإسبانيا وأرمينيا.
وبحسب الموقف الروسي، فإن تسوية الصراع في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس الصيغة التي أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تنص على إنشاء دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
Comments are closed.