مصطفى عامر: وارفعوا رؤوسكم!
لا يخاف اليمنيّ من الموت عادةً، لا يمكنك تخويفه به، والأطفال في اليمن- حتّى الأطفال- يفرحون بالرصاص فرحتهم بـ”جعالة العيد”!
ولا يعني هذا الأمر بالطّبع أن اليمنيّ لا يقدّر قيمة الحياة، بقدر ما يعني أنه يفلسفها على نحوٍ أعمق، وأكثر حكمة، ببساطةٍ لأنّه عرفها عبر التّاريخ وسَبَرَ أغوارها، خَبِرَها بمختلف أطوارها، وهو يعرفها منذ فجر التاريخ لأنّه موجودٌ منذ بدء التاريخ.
تاريخه ليس “بن يومين” وخبرته في الحياة تسبق عصر “الكوكا كولا” بآلاف السنين!
لهذا، ولأنه بها خبير، فالحياة عنده لا تعني العيش فحسب، بقدر ما تعني العيش بكرامة، وبدون كرامةٍ فإنّ قيمة الحياة عند اليمنيّ صفريّة.
أيضًا، ولهذا فقلبه أصفى من نبعٍ و رأسه أصلب من جبل، فالحياة عند اليمنيّ أغلى وأكثر قيمةٍ من أن يحصرها في ذاته، لأنّه يعرف تمامًا ويضع في حسبانه أن مواقفه في الحياة ستؤثر حتى على حياة أحفاده، ماء وجوههم، وفي اليمن بالذات فإن الأحفاد يتوارثون شرف الأجداد، والعكس صحيح!
من يذهبون إلى الساحات أسبوعيًّا بالملايين نصرةً لغزة، ومن واجهوا عدوان طواغيت العالم لعشرة أعوامٍ قبلها، جميعهم يؤمنون بالمبادئ المتوارثة أعلاه، وفي سبيل الله، وعلى طريق القدس، فهم يرون في الشهادة إعلاءً لقيمة الحياة، لأنهم يؤمنون بأنه لا حياة تستحق أن تعاش، إلا إذ قُرنت بالكرامة، ومزجت بالشرف.
الوضعاء في الخارج استثناءٌ يؤكد القاعدة ولا ينفيها، لأنّ قيمة الحياة في اليمن غالية، وأهم أثمانها أن تعيش رجلًا، وأن تموت رجلا.
أي: أن تعيش بكرامة، وأن تموت بشرف.
لكل هذا فاليمنيّ لا يهاب الحروب ولا تخيفه المواجهات، وإذا “حنّ داعي الموت” فإنّ هذا من دواعي سروره، ليس لأنه متهوّرٌ ولا لأن الحكمة تعوزه، ولا لأنّه لا يعرف ما هي الحروب، ولكن لأنّه أكثر حكمةً من أن يحصر حياته بسنيّ عمره؛
إنه يحاول تخليد الحكاية فحسب، وبطريقته في الحياة والموت، معًا، فإنه يخبر أحفاده الأبعدين، لا أكثر:
إنّي أورثتكم كرامةً تُناطح الجبال، غابرًا عن غابر، فحافظوا عليها، أضيفوا إليها شرفًا جديدًا، كرامةً تناطحون بها السّحاب!
وارفعوا رؤوسكم!
Comments are closed.