حضــــــرمــــــــــــوت تنتفض
إدارة التحقيقات:
تواصلا للثورة الشعبية المناهضة لسياسة مرتزقة تحالف العدوان في تجويع وتركيع أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة، تمّر حضرموت بمرحلة غير مسبوقة من التوتر والانقسام، نتيجة أزمة كهرباء فجّرت احتجاجات غاضبة في الساحل والوادي، وأسفرت عن سقوط قتيل في مدينة تريم، وأعادت فتح ملفات النفوذ والصراع السياسي داخل المحافظة، في وقت تزايدت فيه الدعوات الشعبية والقبلية لتغيير المحافظ ورحيل تحالف العدوان السعودي الإماراتي من تلك المحافظات.
وتحولت المظاهرات السلمية الغاضبة التي تشهدها حضرموت إلى عصيان مدني وإغلاق تام لمعظم المحلات التجارية والمؤسسات الخاصة باستجابة واسعة لدعوات العصيان التي أطلقها النشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، في إطار الحراك الشعبي الواسع رفضا لسياسة التجويع والافقار من قبل المحتلين والغزاة وأدواتهم من الخونة والعملاء والمرتزقة.
إغلاق بوابة الميناء
اتسعت رقعة الاحتجاجات في مدينة المكلا نتيجة الانقطاع الكامل للكهرباء، حيث أقدم محتجون غاضبون على إغلاق بوابة ميناء المدينة في تصعيد لافت لغضب الشارع.
الفساد المتفشي وأزمة الوقود والاختناق الاقتصادي يشعل الاحتجاجات
ويأتي هذا التطور بعد تفاقم أزمة الوقود التي أدّت إلى توقف محطات الكهرباء عن العمل، رغم التحذيرات التي أطلقتها السلطة المحلية من احتمال توقف المحطات في حال عدم توفير الوقود.
وأدى الانقطاع الشامل إلى شلل شبه تام في المدينة، وسط موجة غضب شعبية متصاعدة وقطع للطرقات الرئيسية وإشعال للإطارات، في ظل غياب الحلول العاجلة وتحذيرات من انفلات أمني محتمل.
واقتحم محتجون غاضبون مبنى إدارة مؤسسة الكهرباء في مدينة المكلا، احتجاجًا على استمرار الانهيار الخدمي، خاصة في ما يتعلق بانقطاع الكهرباء.
أزمة طويلة الأمد
وفي ذات السياق، حذّر مركز ساري العالمي للدراسات الاستراتيجية والاستخبارية (SARI Global)، من أن الاحتجاجات الغاضبة في مدينة المكلا عاصمة حضرموت الساحلية جنوبي شرق اليمن تهدد بالانزلاق في عدم استقرار مدني طويل الأمد وربما اضطرابات إقليمية.
وقال المركز في تحليل مخاطر جديد، تواجه المكلا نقطة تحول حرجة. مضيفاً: إذا لم يتم تلبية المظالم الحالية بإجراءات سريعة ومنسقة، فقد تتطور الاضطرابات إلى مقاومة مدنية مطولة، وتصعد إلى تعبئة جماهيرية، وشلل حضري محتمل، أو دعوات متجددة للحكم الذاتي المحلي.
واعتبر مدينة المكلا “منطقة حضرية ما قبل الانهيار” بسبب انهيار الخدمات الأساسية، والتعبئة المدنية السريعة التي قد تتحول إلى عنف، وتدهور مصداقية ما يسمى بـ “حكومة الشرعية”، محذراً من أعمال عنف واضطرابات وأعمال نهب إذا استمر تجاهل المتظاهرين قد ينقلها إلى انهيار طويل الأمد.
نتيجة طبيعية
بدوره، يقول رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، عمر باجردانة، أن هذه الاحتجاجات تأتي كردة فعل طبيعية، نتيجة الفشل الذريع الذي تميزت به ما يسمى بالشرعية، في التعامل مع ملف الكهرباء تحديدا، ومع كل الملفات المتعلقة بالخدمات.
وتابع في منشور بصفحته على منصة “فيس بوك”: “هذا الغضب متوقع عندما الشعب في حضرموت يعاني الأمرين، من خلال هذه الأزمات المتكررة والمفتعلة بشكل مستمر، والتي تضيق الخناق يوما بعد يوم على حياته، المعيشية في ظل تبرير وعجز من قبل حكومة المرتزقة عن القيام بواجبها وتخفيف الأعباء التي أثقلت كاهل المواطن”.
وأردف: اليوم المناطق المحتلة كلها تعاني من أزمات كهرباء ومياه واقتصاد وعملة، فما الذي ننتظره من الشعب، ومساحة الحياة في محيطه بدأت تضيق عليه شيئا فشيئا؟.
تفشي الفساد
من ناحيتها، قالت أحزاب حضرموت في بيان لها، إن المحافظة تشهد منذ فترة أزمة شاملة وغير مسبوقة في مختلف مناحي الحياة، نتيجة استمرار الانهيار الاقتصادي، وتدهور الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، إضافة إلى الانفلات الإداري وتراجع دور السلطة المحلية، وتفاقم معاناة المواطنين.
وأرجع البيان، تُفاقم هذه الأوضاع المأساوية لحالة الغياب الكامل لرأس السلطة المحلية وتعطّل مؤسسات الرقابة والمساءلة، وتفشي الفساد في أجهزة الدولة، ما أدى إلى فقدان الثقة بين المواطن والسلطة، وتصاعد مشاعر السخط الشعبي.
وأدان البيان، جريمة مقتل الشاب محمد سعيد يادين، مطالبا بتحقيق عاجل وشفاف لمحاسبة المتورطين، باعتبارها انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
الاحتجاجات الغاضبة تسببت في قطع الطرقات وإغلاق المحال التجارية
وجدد البيان، المطالبة بضبط أسعار السلع الأساسية وربطها بسعر صرف العملة، ومحاسبة المتلاعبين بقوت المواطن.
وأشارت الأحزاب إلى أن محافظة حضرموت تقف اليوم على مفترق طرق خطير، وأن استمرار تجاهل أوضاعها قد يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها.
قبل الانفجار
من جهته، يؤكد المحلل السياسي وضاح بن بريك، إن ما تعانيه حضرموت اليوم ليس مجرد أزمة خدمية أو اقتصادية فحسب بل هو نتاج انسداد سياسي وفراغ إداري واضح يقابله غياب لمؤسسات الدولة ما يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية لا تحتمل التسويف أو التجاهل.
يقول بن بريك، في منشور بصفحته على “الفيسبوك”: “في ظل ما تشهده محافظة حضرموت من أوضاع معيشية متدهورة وانهيار متسارع في الخدمات الأساسية وتنامٍ في الاحتجاجات الشعبية تتزايد حالة القلق العام في أوساط المجتمع، ويزداد الشعور بالتهميش والخذلان في واحدة من أهم محافظات البلاد”.
خطوات تصعيدية
وعلى خلفية الاحتجاجات الشعبية المنددة بتردي الأوضاع المعيشية في حضرموت، قُتل الشاب محمد سعيد يادين، الخميس الفائت، في مدينة تريم، برصاص قوات الأمن خلال تفريق احتجاجات غاضبة على تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتشهد مدينة تريم، منذ الحادثة، توترًا غير مسبوق، وتجمع عشرات المواطنين، بالقرب من مركز الشرطة بالمدينة، وسط حالة من الغضب والاستياء الشعبي، منددين بالجريمة والاستهتار بحياة الناس، مطالبين بسرعة تقديم الجاني للعدالة، ووقف ممارسات القمع ضد المحتجين.
عنف وقتل واعتقالات
في السياق، ارتفعت حدة الاحتجاجات الشعبية في عدد من مدن الساحل والوادي، منها احتجاجات التي اشتعلت أمس الأول في مدينة سيئون، كما شهدت مدينة المكلا توترا أمنيًا إثر تصعيد قوات الجيش والأمن من ملاحقتها للمحتجين في شوارع المدينة، التي ما زالت تشهد شللا تاما، جراء استمرار إغلاق معظم الشوارع والمحلات التجارية وغيرها من المرافق والمنشآت منذ بدء الموجة الاحتجاجية.
“تريم” تطلق خطوات تصعيدية سلمية احتجاجاً على القمع والاعتقالات
ويؤكد الصحافي صبري بن مخاشن، إن الشرطة وقوات الجيش تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين في مدينة المكلا، في محاولة لقمع الاحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بحقوق حضرموت وإنهاء الفساد.
وأوضح بن مخاشن القيادي في حلف قبائل حضرموت في منشور بصفحته على “الفيسبوك” رصدتها “الوحدة” أن الاحتجاجات اتسعت بشكل كبير في حضرموت ولم تعد تقتصر على مدن محددة، بل امتدت الى كل مديريات الساحل والوادي والصحراء، وهناك شلل تام للحركة في اغلب مدن حضرموت.
وأضاف: “سقط شهيد في تريم وخمسة جرحى في المكلا خلال الاحتجاجات، وهناك اعتقالات واختطافات وبدأت تظهر عمليات إطلاق النار على المتظاهرين”.
وأردف أن “الاحتجاجات اثبتت أنها لم تكن من أجل الكهرباء، بل من أجل الكرامة، ومن أجل القضاء على الفساد”.
حراك يتصاعد
وتتألف حركة الاحتجاج في المكلا، التي تضم إلى حد كبير الشباب الحضري والعمال والمجتمعات المهمشة، من حراك عفوي ولكنه يتصاعد، تتجاوز شكاواهم الكهرباء؛ فهم يشيرون إلى الفساد المتفشي، والتواطؤ بين احتكارات الوقود والمسؤولين المحليين، والاختناق الاقتصادي.
والأحد الفائت، أكدت اللجنة الأمنية بمحافظة حضرموت، أنها لن تسمح لأي جهة كانت بجر المحافظة إلى مربع الفوضى – حد وصفها، في الوقت الذي قالت بأنه تم إيقاف المتهم بقتل الشاب محمد يادين لإحالته للجهات المختصة، بعد أيام من مقتله برصاص القوات الأمنية أثناء احتجاجات غاضبة في مدينة تريم بمحافظة حضرموت.
“بالغة الخطورة”
وفي تطور لافت، أعلن نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة في حكومة المرتزقة أكرم نصيب العامري (ينتمي لحضرموت، ويشغل أيضا أمين عام مؤتمر حضرموت الجامع)، تعليق أعماله في رئاسة الهيئة، وذلك على خلفية ما اعتبره “وصول الأوضاع في حضرموت إلى تهديد الأمن والاستقرار واستهداف حياة المواطنين”.
وأشار العامري إلى الأوضاع “بالغة الخطورة” بحضرموت نتيجة الأوضاع المعيشية المتردية وخروج المواطنين للاحتجاج السلمي في مدن ومديريات حضرموت ساحلًا وواديًا، مستهجنًا “ما تعاملت به الأجهزة الأمنية من قمع لهذه الاحتجاجات، مما أدى إلى استشهاد المواطن محمد سعيد يادين بمدينة تريم”.
تحوّل شعبي
اللافت أن الشعارات المرفوعة في الاحتجاجات – لا سيما في المكلا الواقعة تحت سيطرة الامارات – تضمنت دعوات صريحة لرحيل التحالف العربي من حضرموت، متهمة إياه بإدارة الصراع بدلا من حلّه، وبتغذية التنافس بين القوى المحلية بدلًا من دعم مؤسسات الدولة.
مطالبات بالتغيير
وفي تطور غير مسبوق، قدّمت مجموعة من مشائخ وعشائر وادي حضرموت، تطالب بتعيين عصام حبريش الكثيري محافظا جديدًا لحضرموت، خلفا لمبخوت بن ماضي، في محاولة لرأب التصدع الإداري وتوحيد القرار داخل المحافظة.
مراقبون: ما يحدث في حضرموت صراع نفوذ بين السعودية والإمارات
وتُعد هذه الخطوة إشارة واضحة إلى أن القيادات الاجتماعية بدأت بالتحرك لإعادة تشكيل المشهد الحضرمي بعيدًا عن صراعات الولاءات الخارجية.
سيناريوهات محتملة
وفيما تواجه المكلا نقطة تحول حرجة. إذا لم يتم تلبية المظالم الحالية بإجراءات سريعة ومنسقة، فقد تتطور الاضطرابات إلى مقاومة مدنية مطولة، وتصعد إلى تعبئة جماهيرية، وشلل حضري محتمل، أو دعوات متجددة لما يسمى بـ “الحكم الذاتي المحلي”، بحسب ما يراه مراقبون محليون.
وتوقع المراقبون أن تتجه الامور في المحافظة الغنية بالنفط إلى تصعيد شعبي متزايد حيث لم تعد الاحتجاجات تقف عند حقوق مطلبية، بل تمتد مباشرًة ضد تحالف السعودية والإمارات والحكومة.
فيما يرى أخرون إلى تفكك داخلي للسلطة وتعدد مراكز ينذر بانهيار كامل في الإدارة المحلية.
يُشار إلى أن هذه الاحتجاجات جاءت في غمرة احتقان سياسي تعيشه حضرموت، منذ نحو عام تقريبا، ضد حكومة المرتزقة والاحتلال الاماراتي وهو الاحتقان والاستنفار القبلي الذي يقوده حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، على خلفية مطالب حقوقية وسياسية تتعلق بالأوضاع المعيشية لأبناء المحافظة.
Comments are closed.