القدرات اليمنية باتت تشكّل خطرًا على الطائرات الإسرائيلية

ما ألمحت اليه صحيفة “إسرائيل هيوم”، إحدى أبرز الصحف الناطقة بلسان المؤسسة الأمنية والعسكرية في كيان العدو، إلى أن العمليات اليمنية قد تتجاوز في المدى القريب تهديد السفن في البحر الأحمر، لتصل إلى تهديد مباشر للطائرات الإسرائيلية، وهو ما وصفته الصحيفة بـ”التهديد الاستراتيجي”، في إقرار غير مباشر بأن ما تواجهه “إسرائيل” من اليمن ليس عارضًا مؤقتًا بل تهديدًا مستمرًا وقابلاً للتصاعد.

هذا التحول في لهجة الإعلام العبري لم يأتِ من فراغ، بل جاء في أعقاب فشل هجوم جوي صهيوني سابق استُخدمت فيه طائرات مقاتلة لاستهداف محافظة الحديدة حيث أُجبرت هذه الطائرات على الانسحاب العاجل قبل تنفيذ أي مهمة، بعد أن رصدتها الدفاعات الجوية اليمنية وتعاملت معها بمستوى من الجاهزية والتهديد أجبر الطيارين على التراجع خشية السقوط، وهو ما يشكل في العُرف العسكري ضربة معنوية وأمنية مباشرة لسلاح الجو الذي يُفترض أنه العمود الفقري لعقيدة الردع الصهيونية.

إزاء هذا الفشل الميداني، لجأ العدو لاحقًا إلى تنفيذ عدوانه بطائرات مسيّرة على محافظة الحديدة، في تحوّل تكتيكي يعبّر عن حالة التردد والارتباك في قيادة العدو، وتجنّب للمخاطرة بإرسال طائرات مأهولة إلى أجواء أصبحت خطرة وغير مضمونة. هذا التحوّل انعكاس لحالة ردع فرضتها صنعاء في الجو، تمامًا كما فرضت معادلة الكلفة العالية على خطوط الملاحة في البحر الأحمر.

وعسكريًا، لا يمكن التقليل من أهمية هذا الإنجاز. إذ أن نجاح الدفاعات اليمنية في رصد الطائرات الحربية للعدو وإجبارها على الانسحاب دون إطلاق النار هو بحد ذاته تفوق عملياتي، ويؤكد امتلاك صنعاء شبكة رادارية ومنظومات اشتباك فعالة، لم تعد فقط قادرة على اعتراض الطائرات المسيرة، بل بدأت تمثل تهديدًا مباشرًا للطائرات الهجومية المتقدمة.

هذا التحوّل النوعي يُقرأ في تل أبيب بوصفه كسرًا لأحد أهم رموز “التفوق الإسرائيلي”، الذي طالما ارتكز على “حرية الحركة الجوية”، والقدرة على ضرب الأهداف البعيدة دون رد.

فإذا كانت الدفاعات الجوية اليمنية قادرة اليوم على إجبار الطائرات على الفرار، فإن سقوط طائرة واحدة غدًا سيكون كفيلًا بتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة برمتها، وتلقين سلاح الجو الصهيوني درسًا لن ينساه منذ حرب أكتوبر 1973.

ولعل التلميح الذي أوردته صحيفة “إسرائيل هيوم” بشأن احتمال اتساع نطاق التهديد اليمني ليشمل الطائرات الإسرائيلية، لا يعكس فقط مخاوف المستقبل، بل هو محاولة لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي والعسكري لفكرة أن اليمن، الذي طالما اعتُبر جبهة بعيدة وهامشية، بات اليوم مصدر تهديد استراتيجي وجوي مباشر، تتطلب معالجته إما تصعيدًا واسعًا أو إعادة تموضع للعمليات.

لكن المعضلة الحقيقية أمام العدو في طبيعة المنظومة العسكرية التي تواجهه: صنعاء تمتلك قرارها، وتملك صناعاتها، وتخوض معركتها بأدواتها، وهي في كل جولة تُثبت تطورًا متسارعًا على المستويين الهجومي والدفاعي. بالتالي فالردع الذي فرضته في البحر بات اليوم يتمدد نحو الأجواء، في مشهد يعيد تشكيل موازين القوى، ويدفع العدو إلى التراجع خطوة بخطوة.

في المقابل، يعاني الكيان من انكشاف مزدوج: انكشاف بحري بفعل عمليات إغلاق باب المندب، وانكشاف جوي بفعل التهديد المتزايد لطائراته، ما يُحوله من كيان مهاجِم إلى كيان يتحسس دفاعاته، وينكفئ نحو الطائرات المسيرة والعمليات الرمزية لتجنّب التصعيد الذي لا يضمن مخرجاته.

خلاصة التحليل أن اليمن، بات اليوم قوة ردع إقليمية تُجبر طائرات الاحتلال على الفرار، وتضع قيادته في مأزق الخيارات المحدودة. فإما أن يغامر العدو ويفتح جبهة مكلفة لن يُحسم فيها شيء، أو أن يُقرّ بأن زمن التفوق الجوي الصهيوني قد بدأ بالانحسار… من بوابة الحديدة، لا من طهران أو بيروت فقط.

Comments are closed.

اهم الاخبار