احتجاز وضرب وترحيل .. 50 ألف يمني معتقل في سجون السعودية
إدارة التحقيقات:
في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، تتزايد أعداد اليمنيين الذين يخاطرون بحياتهم للهجرة إلى السعودية، لأسباب قاهرة، تجعلهم يتحملون المصاعب الشاقة لخوض رحلة محفوفة بالمخاطر، بحثاً عن فرصة متاحة يستطيعون معها العمل وتوفير لقمة العيش لهم ولأسرهم، لكن تلك الرحلة كثيرا ما تنتهي بالاحتجاز والاعتقال التعسفي في السجون السعودية، ومن دون محاكمات عادلة.
تهم ملفقة
تتوالى قصص اليمنيين، وبعضها تبدو وكأنها مستنسخة من أخرى، بسبب تشابه التفاصيل، لكن ما حدث للمغترب اليمني علي أبو لحوم (37عاماً)، شيء مختلف.
ففي زنزانة ضيقة بلا نوافذ للأمل، يمضي “علي” أيامه بعيدًا عن طفلته التي تكبر محرومة من حضن والدها، وبعيدًا عن والدته التي تترقب أخباره بقلق، وبعيدا أيضاً عن أهله ووطنه منذ أن اعتقلته السلطات السعودية في أغسطس من العام 2021 بتهم قالت إنها تتعلق بمنشورات على حسابات وهمية بمواقع التواصل، وهي تهم ينفي “علي” صلته بها جملة وتفصيلاً.
المغترب علي أبو لحوم
خلال فترة الاعتقال، مُنع أبو لحوم من توكيل محامٍ في بداية التحقيق، وسُمح لعائلته بتوكيل محام بعد مرور شهر كامل على اعتقاله، بينما انعقدت أولى جلسات المحاكمة في 10 أكتوبر دون علم محاميه بالتهم الموجهة إليه، تلتها جلسة ثانية لم يُسمح فيها باستدعاء شهود الدفاع، قبل أن يُعلن القاضي الحكم والعقوبة دون الاستماع لشهود الدفاع في 26 أكتوبر، والتي تنص العقوبة على حبسه خمسة عشر عاما.
مشهد مؤلم
قضية علي ليست استثناءً او حالة وحيدة، بل هي جزء من معاناة عشرات الآلاف من اليمنيين المغتربين الذين يواجهون الاعتقال التعسفي في السجون السعودية، حيث تكشف المعلومات عن تعرضهم لانتهاكات متعددة، وظروف احتجاز قاسية تفتقر للرعاية الصحية والإنسانية، في مشهد مؤلم يختبر صبر العائلات ويكشف عن حجم الظلم الذي يعيشه المغتربون بعيدًا عن وطنهم.
أرقام صادمة
وفي ذات السياق، كشفت وزارة العدل وحقوق الإنسان، عن أكثر من 50 ألف مغترب يمني يقبعون داخل السجون السعودية دون محاكمات أو تهم قانونية صريحةٍ، فيما يواجه أكثر من 20 ألف مغترب محاكمات جائرة بتهم ملفقة تفتقر لأبسط معايير العدالة.
وبحسب إحصائيات رسمية، فإن قرابة اثنين مليون يمني يعملون في المملكة العربية السعودية.
وأكد علي تيسير، وكيل وزارة العدل وحقوق الإنسان لقطاع حُقوق الإنسان، في تصريحٍ خاصٍّ لـصحيفة “الوحدة”، أن الوزارة تتلقى تقاريرَ متعددةً توثق حجم المأساة التي يواجهها المغتربون اليمنيون في السجون السعودية، كالاعتقال التعسفي والتعذيب، وتنفيذ أحكام إعدام دون محاكماتٍ عادلةٍ أو توجيه تهمٍ واضحةٍ.
أطفالٌ وشبابٌ ونساء
وأوضح تيسير، أن تلك التقارير بينّت أن معظم المعتقلين من الشرائح الكادحة الفقيرة المُعدمة، بينهم أطفالٌ وشبابٌ دخلوا المملكة بحثًا عن لقمة العيش، ليجدوا أنفسهم معتقلين بذريعة عدم وجود كفيل، أو دخولهم بطرقٍ غير نظامية، بينما يتم احتجازهم لفتراتٍ طويلةٍ دُوْنَ إجراءاتٍ قانونيةٍ واضحةٍ وعادلةٍ.
ونوه إلى أن وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة التغيير والبناء في صنعاء، سبق أن وجهت رسائل إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان ومنظمة الهجرة الدولية، حثتهم فيها على التدخل العاجل للإفراج عن المحتجزين اليمنيين، خاصة من قضى مدة محكوميته أو من اعتقل دون سند قانوني.
تيسير: 20 ألف مغترب يواجهون محاكماتٍ جائرةً بتهم ملفقة تفتقر للعدالة
وأكد أن هذه الممارسات تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وتمس كرامة كل يمني ويمنية، مشددًا على أهمية استمرار الجهود الرسمية والحقوقية في توثيق هذه الانتهاكات، وتحريك الملف دوليا؛ لضمان حماية المغتربين اليمنيين وإنصافهم.
ولفت تيسير في ختام حديثه بالقول: “فتح هذا الملف ليس مجرد خطوة إعلامية، بل واجب وطني وإنساني يهدف إلى إنقاذ المغتربين اليمنيين الذين يعانون في غياهب السجون السعودية، وضمان عودتهم إلى أسرهم التي تنتظرهم وتعيش ظروفًا معيشية صعبة في الداخل اليمني”.
رسائل احتجاج
وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة التغيير والبناء في صنعاء، هي الأخرى كشفت الرسائل التي وجهتها إلى عدد من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، عن معاناة إنسانية وخسائر مالية تتكبدها أسر المغتربين اليمنيين المحتجزين تعسفاً في السجون السعودية، بعد انتهاء محكوميتهم القانونية، وسط عجز مشين لدبلوماسية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عن تقديم أي حلول أو معالجات لمشكلات المغتربين في المملكة.
ووفقاً لما نشرته وكالة الأنباء “سبأ”، ورصدتها “الوحدة”، فإن وزير الخارجية والمغتربين جمال عامر وجه الأسبوع الماضي، رسائل إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومجلسها ومنظمة الهجرة الدولية، أكد فيها أن هذا الوضع لا يضر بالأمن والعدالة فحسب، بل يعرض آلاف المرضى والعمال اليمنيين في السعودية لمخاطر مضاعفة، فمع استمرار الاحتجاز تتعرض أسرهم في الداخل لهزات اقتصادية مع انقطاع الدعم وصعوبة تأمين السلع الأساسية.
وقال الوزير في رسائله: إن “الممارسات التعسفية مع المغتربين اليمنيين، بما في ذلك الاحتجاز بعد انتهاء مدد العقوبة وتركهم بدون محاكمة، تتناقض مع أبسط المعايير الدولية لحقوق الإنسان”، موضحاً أن استمرار احتجاز هؤلاء المغتربين يكبد العائلات مبالغ طائلة بسبب فقدان مصدر الدخل، كما يفاقم أعباء المعيشة في بلاد مزقتها الحرب، في وقت يتراجع الريال ويقفز سعر المواد الغذائية اليومية، مطالباً بالتدخل العاجل لدعم الأسر وإعادة ما تم تحصيله من أموال كتأمين أو سلفة، لتعويض الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الانقطاع.
عامر: وجهنا رسائل عديدة إلى المنظمات الأممية للتدخل العاجل للإفراج عن المحتجزين
ودعا عامر المنظمات الدولية والمجتمع الدولي إلى ضمان حصول المحتجزين على حق الدفاع القانوني والمساعدة القنصلية، واتخاذ خطوات تنفيذية مثل إرسال فرق لتفقد مراكز الاحتجاز في السعودية، مؤكداً أن هذا الإجراء “ضروري ليس فقط من ناحية حقوقية، بل أيضاً كخطوة إنسانية تقلص من تفاقم أزمة الفقر والبطالة للأسر المتضررة ومحدودة الدخل”.
اعتقالات بالجملة
وتعتقل السعودية في سجونها آلاف اليمنيين بشكل غير قانوني، ومن دون محاكمات، كما تمنع الزيارة عن أهاليهم، ويمنع عنهم تلقي العلاج والرعاية الصحية، وتعرضهم للإهمال الطبي، وفق تقرير حديث لوزارة وحقوق الإنسان لقطاع حُقوق الإنسان.
التقرير الحقوقي الذي حصلت عليه “الوحدة” كشف عن أرقام صادمة طالت آلاف المغتربين اليمنيين، خلال الثمان السنوات الأخيرة من العدوان على اليمن، مبينا أنه تم ترحيل أكثر من مليوني مغترب بشكل تعسفي من الأراضي السعودية خلال العشر سنوات الماضية، مع نهب أموالهم وممتلكاتهم، لافتا إلى أن النظام السعودي يحتجز عشرات الآلاف من المغتربين، من بينهم نساء وأطفال، في ظروف قاسية ولا إنسانية.
كما أشار التقرير إلى أن أعداد المحتجزين والمخفيين قسراً والذين خضعوا لمحاكمات جائرة بتهم ملفقة تقدر بأكثر من 20 ألف مغترب، منهم من خضعوا لمحاكمات جائرة بتهم ملفقة وهمية، مضيفا أن من بين هؤلاء، تم إعدام أكثر من 20 مغترباً خارج نطاق القانون، وفق ما تم رصده في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى حالات إعدام مباشرة لأكثر من ألفي مغترب تم قتلهم على الحدود، إلى جانب الآلاف من المهاجرين الأفارقة.
تهم غامضة
كما يؤكد التقرير أن أكثر من 50 ألف مغترب مودعين داخل السجون دون أي محاكمات أو إجراءات قانونية تدينهم أو تثبت مخالفتهم القانونية للنظام السعودي.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها وزارة العدل وحقوق الإنسان، وفقا للرصد والتوثيق والبلاغات والشكاوى والمناشدات التي حصلت عليها من أهالي المغتربين، أن سجني طريق الخرج وحائر وحدهما يحتجزان ما بين 8 آلاف و10 آلاف مغترب يمني، من بينهن 300 إلى 500 سجينة في سجن الخرج، وكان آخرها اعتقال معتمرات في الحرم المكي.
كما لفتت إلى أنها تلقت أيضا مناشدات وبلاغات حول آلاف من المغتربين مفقودين ومخفيين قسراً لا يعلم مصيرهم حتى الآن.
ووفق التقرير تم رصد حالات وفاة داخل السجون من المغتربين بلغت أكثر من عشر حالات وفاة بسبب سوء المعاملة والتعذيب وسوء التغذية خلال العامين المنصرمين، وأشار إلى أن مصير جثثهم ما يزال غامضا، رغم مطالبة أسر الضحايا للمنظمات الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر للضغط على النظام السعودي بتسليم جثث عوائلهم لدفنها في وطنهم.
وذكر التقرير أن النظام السعودي أصدر أحكاماً بالإعدام في حق أكثر من 15 مغترباً، دون معرفة أسرهم مصير جثثهم، فيما صدرت أحكام بالسجن لعشرات السنين بحق ما يقارب الخمسين مغترباً.
حقوق الإنسان: ما بين 8 آلاف و10 آلاف مغترب يقبعون في “غوانتانامو” السعودية
وأوضح التقرير أن تلك المحاكمات التي تجري في جلسات مستعجلة تفتقر إلى أبسط مقومات المحاكمة العادلة، وتستند إلى تهم وهمية وملفقة، تم استخدامها من قبل النظام السعودي كورقة مساومة للضغط على الطرف الوطني، في إشارة إلى حكومة صنعاء- بإدراج أسماء المحتجزين ضمن صفقات تبادل الأسرى من الجيش الوطني.
تعذيب واغتصاب
وبحسب تقرير وزارة العدل وحقوق الانسان، فإن المغتربين اليمنيين في السجون السعودية يتعرضون لمختلف أشكال التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، بما في ذلك التعذيب الجسدي والنفسي، والاغتصاب، والإهانة، والضرب، واللعن الجارح، وقد أدت هذه الانتهاكات إلى وفاة العديد من المغتربين.
مشيرا إلى أن تلك المحاكمات تجري في جلسات مستعجلة تفتقر إلى أبسط مقومات المحاكمة العادلة، وتستند إلى تهم وهمية وملفقة، تم استخدامها من قبل النظام السعودي كورقة مساومة للضغط على الطرف الوطني بإدراج أسماء المحتجزين ضمن صفقات تبادل الأسرى من الجيش الوطني.
سجون مكتظة
وبحسب التقرير، يعاني المعتقلون اليمنيون في السجون السعودية من ظروف احتجاز مروعة، حيث أن السجون مكتظة بالسجناء، ولا يكفي كل واحد منهم لأكثر من 20 شخصاً.
كما أن السجون غير صحية، وتفتقر إلى التهوية اللازمة والمراحيض ومرافق الاستحمام، وغيرها من المعايير الدولية الأساسية ذات الصلة بالسجون والسجناء.
وذكر التقرير أن احتجاز النساء والأطفال والرجال في زنازين مكتظة بالنزلاء، بدون أن يوفر لهم ما يكفي من الطعام والمياه ومرافق الصرف الصحي والرعاية الصحية.
مبينا “أنه تم احتجاز نساء وأطفال ورجل لأكثر من 18 شهراً في ظروف سيئة للغاية، وتعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.
انتهاكات جسيمة
منذ عام 2015، زادت معاناة المهاجرين اليمنيين في المملكة العربية السعودية، حين أصدرت المملكة حزمة قرارات داخلية تتعلق بسوق العمل والعمالة الوافدة، قرارات مست بشكل مباشر المغتربين اليمنيين وأصابت استقرارهم المعيشي في مقتل.
وبموجب نظام الكفالة السعودي التعسفي، الذي أثقل كاهل الآلاف من المغتربين في تسديد ما عليهم للكفلاء إلى جانب سداد رسوم أخرى مثيلة للنظام السعودي، رغم أن المغتربين اليمنيين دخلوا الأراضي السعودية بوثائق نظامية وصحيحة، وزاد حدة الاعتقالات والاحتجازات على المغتربين خلال الثمان سنوات الماضية والتي رافقت العمليات العسكرية والحصار اللذان تدار من قبل دول تحالف العدوان بقيادة أمريكا والسعودية والإمارات.
Comments are closed.