سيناريوهات محتملة بعد الهدنة.. ما الذي أجبر أمريكا وإسرائيل الذهاب لمفاوضات وقف الحرب على غزة؟

الوحدة/ تتجه الأنظار نحو اتفاق غزة المرتقب لوقف اطلاق النار وإنهاء العدوان الصهيوني الوحشي على الفلسطينيين في القطاع، وفك الحصار عنه وادخال المساعدات العاجلة اليه، بعد حرب توشك على الدخول في عامها الثاني، حيث استخدم الكيان الإسرائيلي كل ثقله وقواه العسكرية وأستنفد أوراقه العدوانية بما في ذلك سياسة “التجويع” بمساندة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تحقيق أهداف رسمها لنفسه أبرزها استعادة رهائنه والقضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، غير أن معطيات الواقع تؤكد بجلاء فشل ما يصبوا إليه الكيان في غزة، وكشف للعالم أن القوة العسكرية التي تبجح بها طوال عقود من الزمن لم تستطع استعادة رهين صهيوني واحد من القطاع، إلا جثث هامدة متحللة تحت الركام نتيجة تعرضهم لقصف طائراتهم الحربية، بينما المقاومة لا تزال تتمتع بحضور قوي في الميدان وتخوض معركة بطولية ضد العدو الصهيوني وتذيقه مرارة “الحوادث الصعبة” التي يتلاقها جنوده وآلياته يومياً وعلى مدار الساعة، ولعل المشاهد التي تبثها فصائل المقاومة تثبت وجودية الفلسطيني على أرضه منافحاً ومدافعا ومضحياً عن حياضه والمقدسات الدينية غير آبه بترسانة العدو الضخمة أمام “قذائف الياسين” و”العبوات الناسفة” و”قناصة الغول”، ورشقاته الصاروخية المحلقة في سماء الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسمع الصهاينة صفارات الانذار وتجبرهم على الدخول للملاجئ.

اتجاه إسرائيل نحو مسار الاتفاق لوقف الحرب على غزة هذه المرة، ليست الضغوطات الدولية أو الاقليمية أو الداخلية فحسب، وانما تقديرات الخسارة الفادحة التي منيت بها نتيجة الضربات القاسية الموجهة لها من محور المقاومة الفلسطينية واليمن ولبنان والعراق عقب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 حتى اليوم، وكانت أخرها الرد القاصم من إيران، حيث تفاجأ الكيان من القوة الصاروخية الإيرانية الدقيقة في استهداف مواقع استراتيجية وحساسة  في عمقه، وباتت تشكل عليه أرقاً جديداً في مضمار المواجهة العسكرية بعد أن كان يظن أن المنشآت النووية الإيرانية هي أكبر هماً تهدده في الشرق الأوسط، إذ أن سقوط صاروخاً إيرانياً واحداً كان يحيل حياً بأكمله في تل أبيب إلى ركام، الأمر الذي أضطر إسرائيل وأميركا إلى تحديد موعد حربهما على إيران بـ12 يوماً والجنوح بعد ذلك للهدنة، لعلمهما أن استمرار الضربات الإيرانية على الكيان الصهيوني بهكذا وتيرة سيحوله إلى مدينة أشباح غير صالحة للحياة.

ماذا تنوي أمريكا وإسرائيل فعله بعد الهدنة؟

لدى أمريكا وإسرائيل خطط وترتيبات تدفعهما لإيقاف الحرب على غزة، والقبول بهدنة لـ60 يوماً، أولها اطلاق الرهائن الصهاينة جميعهم لتهدئة الشارع الملتهب في إسرائيل وإخماد الضغط السياسي الداخلي على نتنياهو، وثانياً العودة مجدداً للحرب على غزة لتصفية وتهجير الفلسطينيين من القطاع بذريعة القضاء على حماس، ومن المرجح أن تستهدف إسرائيل مرة أخرى إيران بإسناد عسكري أمريكي، لاسيما بعد القرارات التي اتخذتها إيران حيال وكالة الطاقة الذرية وتوقيف التعاون معها وترحيل مفتشيها منها، وهذا ما يثير القلق الغربي من أن ذلك قد يمكن إيران من العمل سريعاً من انتاج قنبلة نووية خلال فترة وجيزة، خاصة وأنها نفت تضرر المفاعلات النووية بالضربات الأمريكية عليها، وتقلل من جدواها، وتارة ما تؤكد نقلها إلى أماكن أخرى أمانة قبل القصف الأمريكي على المنشآت النووية.

اتجاه إسرائيل نحو مسار الاتفاق لوقف الحرب على غزة نتيجة الخسائر الفادحة التي منيت بها

تعلم الولايات المتحدة الأمريكية أن حروب الاستنزاف لا تستطيع مقاومتها أبداً رغم ما تمتلك من أسباب القوة العسكرية، لأنها تدرك خطورتها على دولابها الاقتصادي خاصة إذا كانت نتائجها صفرية لا تقدر على تعويض خسائرها؛ فمثلاً في العراق وسوريا عمدت أمريكا بعد احتلال البلدين على نهب الثروات النفطية منهما بكميات مهولة ولا تزال عملياتها قائمة إلى الآن حيث تتجه الصهاريج ممتلئة بالنفط المنهوب يومياً إلى موانئ البلدين لتفريغ الشحنات للبواخر المتجهة نحو واشنطن. والأمر ينطبق أيضاً على أوكرانيا، فبعد الدعم العسكري المقدم لها من الولايات المتحدة لخوض الحرب ضد روسيا، بادرت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب مطالبة كييف بتوقيع صفقة المعادن معها والذي بموجبه سيمنح واشنطن التنقيب عنها في أراضيها بعد إبرام اتفاق وقف اطلاق النار مع موسكو وذلك مقابل الدعم الذي قدمته من عتاد وأسلحة لأوكرانيا خلال حربها مع روسيا.

اليمن ودوره في اتفاق غزة

ومن الواضح أن المفاوضات الجارية في الدوحة بشأن التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة تأتي في سياق مرتبط يمنياً والذي فرض حصاراً بحرياً وجوياً على الكيان الصهيوني ووضع استهداف يافا المحتلة “تل أبيب” والسفن ذات العلاقة بإسرائيل في البحرين الأحمر والعرب، رهن ايقاف الاحتلال العدوان على القطاع وادخال المساعدات الإنسانية إليه، وهو ما تحدثت عنه الصحافة الإسرائيلية، حيث ذكرت صحيفة “هآرتس” عن مسؤولين صهاينة، أن الاحتمال الأرجح لوقف إطلاق النار من اليمن، هو التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال في غزة، مشيرة إلى أن “إسرائيل” تخشى من أن إطلاق النار من اليمن قد يتجدد مستقبلاً في كل مرة تندلع فيها مواجهة مع الفلسطينيين.

“إسرائيل” تخشى تجدد إطلاق النار من اليمن مستقبلاً حال اندلاع مواجهة مع الفلسطينيين

وأوضحت أن “إسرائيل” تدرك تمامًا أن استمرار إطلاق النار من اليمن ينطوي على مخاطر كبيرة مثل إصابات مباشرة في البنية التحتية وتردد شركات الطيران، لافتة إلى أن اليمنيين يمتلكون صواريخ متقدمة وبعد كل إطلاق يتم تحسين دقة الضربات التالية، مؤكدة أن مواصلة “إسرائيل” الغارات على اليمن لن يجدي نفعًا.

سلاح حماس.. واستحالة التخلي عنه

إن أي ضغوط يمارسها الرئيس الأمريكي “ترامب” على “نتنياهو” في إطار التوصل لاتفاق وقف العدوان على غزة، نابعة من مصلحة شخصية ولا علاقة لها بالإنسانية ولا بإرساء مبدأ السلام في العالم، فترامب يحاول أن يضفي على صورته المشوهة دولياً مساحيق تجميلية لكي يظهر بأنه “اطفائي الحرائق” بغياً منه لنيل جائزة نوبل للسلام، وهو ما أكده الدكتور محمد طاهر انعم، عضو اللجنة العليا لنصرة الأقصى على منصة (إكس)، بأن ترامب مهووس بجنون برغبته بجائزة نوبل للسلام، وهذا الأمر تعبير فاضح عن حالته المرضية بالنرجسية.

ومن فوائد هذا المرض والهوس اندفاعه لإنهاء حالة القتال في غزة سريعا، وضرب مواعيد متكررة لها، رغم الرفض المستمر والعنيد لنتنياهو ولحلفائه العرب المتصهينين في المنطقة، والذين يحاولون مسايرته بالكلام والابتسامات والمديح، ولكنهم يضعون شروطا مستحيلة أمامه للتهرب من ضغوطاته، بحسب الدكتور محمد أنعم.

على الفلسطينيين ألا يقدموا تنازلات يطلبها الوسطاء لإرضاء أمريكا دون اتفاق واضح وناجز

ويقول أنعم، أن أبرز تلك الشروط المستحيلة هو القضاء على حماس والمقاومة أو طردها من غزة، أو تسليمها السلاح، وهذا أمر لم ينجح فيه الإسرائيليون – بكل الدعم الغربي والعربي- فيه، وهم يعلمون أنه مستحيل تماما، ولكنهم يريدون استمرار القتال لحمايتهم سياسيا وقانونيا (وعسكريا في شأن بعض الحلفاء كالسعوديين).

ويضيف،” الأمور في واشنطن مغلقة الأفق بين نتنياهو وترامب، فإما تراجع ترامب وخضوعه لليهود، أو بداية صدام شخصي بين الرجلين، أما قبول نتنياهو لتوقف الحرب فغير وارد”.

وتابع قائلا: “نتمنى على إخواننا الفلسطينيين ألا يقدموا تنازلات أخرى يطلبها الوسطاء العرب-لإرضاء الأميركيين- دون اتفاق واضح وناجز”.

شروط الكيان.. “بجاحة”!

والمتأمل في الشروط التي يضعها الكيان الصهيوني لعقد صفقة مع المقاومة الفلسطينية بغزة سيجد أنها تعجيزية وتنم عن عدم رغبة في تحقيق اتفاق ينهي الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فإصرار الصهاينة على بنود تسليم حماس سلاحها وخروج قادتها من القطاع، وتجريدها من الحكم في غزة، وسيطرة العدو على 40% من مساحة القطاع خاصة منطقة رفح الفلسطينية، ما هي إلا محاولات لفرض ضغوط كبيره للوصول إلى مرحلة القبول بالبعض منها، وهذا ما ترفضه المقاومة وفي مقدمتها حماس لاسيما وأنها على أرضها ولاتزال تمتلك أوراق المناورة العسكرية لاستنزاف الكيان في القطاع من خلال الكمائن التي تنصبها لجنود الاحتلال الصهيوني وتعطب آلياته ومعداته العسكرية وتحولها الى خرده بقذائفها وعبواتها الناسفة، وهدم المنازل على رؤوسهم.

يقول المحلل السياسي عبدالله سلام الحكيمي أن أمريكا ووكيلها الحصري في الشرق الأوسط “إسرائيل” تتفاوض مع حماس في سلسلة من الاجتماعات عبر وسطاء ويناشدونها الاستمرار والموافقة على اتفاق وقف اطلاق النار وانهاء الحرب في قطاع غزة، ثم يشترطون عليها -أي حماس- بأن تسلم اسلحتها وتمتنع عن إدارة القطاع أو المشاركة في حكمه وتطرد قياداتها وكوادرها كلها من أرضها، ويطلبون منها الموافقة على ذلك في مفاوضاتهم معها، فهل رأيتم “بجاحة” أكثر من ذلك يوما، حسب وصفه.

 من يرسل أسلحة تدمير لكيان نازي مجرم لإبادة الفلسطينيين ليس مؤهلا لنيل جائزة للسلام

وفي زمن المهازل الذي نعيشه، لا غرابة أن يسارع “نتنياهو” وهو المتهم دوليا بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية وإدارة حرب إبادة جماعية وتطهير عرفي وتهجير قسري ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بالقتل والتجويع والتعطيش، بمنع دخول الغذاء والدواء والماء، بتدمير المساكن والمزارع والمستشفيات والمدارس والآبار وقتل الأطفال والنساء لاجتثاث النسل، لترشيح حامي كيانه، رئيس الولايات المتحدة “ترامب” لجائزة “نوبل” للسلام، وفق ما أفاد المحلل الحكيمي، موضحا أن هذه الجائزة ابتذلت وسيست، ولم تعد فخرا لمن سيحملها، فإن من يرسل أسلحة بلاده شديدة التدمير الشامل لكيان نازي مجرم لإبادة شعب تحت الاحتلال لا يخطر على بال أحد أن يصبح مؤهلا لنيل جائزة أو تقلد وسام.

تصفية القضية الفلسطينية

إن الهدف الذي يسعى خلفه الكيان الصهيوني من عقد صفقة لإنهاء الحرب في غزة هو تصفية القضية الفلسطينية، والاحتلال الكلي على فلسطين، وصولا لتنفيذ خططه التوسعية في المنطقة وارغام الدول العربية على تطبيع العلاقات معه جبرا أو طوعا، وللأسف أن الأنظمة العربية متواطئة سرا وظاهرا مع “شرق أوسط” نتنياهو البغيض، معتبرة ذلك انفتاح على السلام وإنهاء الصراع العربي الممتد لأكثر من 75 عاما، غير مدركة تلك الدول أنها فريسة قادمة للكيان الصهيوني مهما بذلت ومدت له سبل السلام والمحبة، ففي الأخير سينبذكم وينصب لكم المقاصل بطرق لن تخطر على بال الحكام العرب المتخاذلة مع القضية الفلسطينية اليوم.

النظام السعودي وشركاؤه هم من يقفون خلف هذه المجازر في قطاع غزة، وهم من يمولون الحرب الصهيوأمريكية على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة المناوئة للمشروع الصهيوامريكي، وهم من يعملون ليلا ونهارا لنزع سلاح المقاومة في لبنان لتسهيل احتلاله كما فعلوا في جنوب شرق سوريا وتمكين الصهاينة لإحكام السيطرة على سوريا ولبنان وفتح الطريق إلى بغداد وأنقرة ليتحقق الحلم الصهيوني بـ”إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، وفق ما أوضح العلامة محمد أحمد مفتاح، نائب رئيس الوزراء، مضيفاً، أن الطاغية “ترامب” المتشدق بوقف اطلاق النار في غزة ما هي إلا إحدى خدعه وأكاذيبه، مؤكدا أنه لا نية للمنظومة الصهيونية في وقف المذابح والمجازر والإبادة في غزة ما دامت تتم وتتصاعد ولا يعترضها أحد.

“المدينة الإنسانية”.. جريمة حرب

ويتضح من الخطة أو الخريطة الإسرائيلية المقدمة في اطار المفاوضات الجارية مع حماس في الدوحة كشروط للوصول إلى صفقة أن الغاية الصهيونية هو احتلال قطاع غزة من خلال التصفية السياسية والديموغرافية وتقسيمه إلى مناطق منعزلة عن الأخرى، وحصر السكان البالغ تعداده أكثر من مليوني فلسطيني في رفح جنوب القطاع تحت ما يسمى “المدينة الإنسانية”، تمهيداً لتهجير الغزيين من أرضهم قسراً، حيث وصف رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق إيهود أولمرت، ما يسمى “المدينة الإنسانية” التي تخطط إسرائيل لإقامتها من الخيام، على أنقاض مدينة رفح جنوب قطاع غزة بأنها “معسكر اعتقال”، معتبرا إجبار الفلسطينيين على دخولها “تطهيرا عرقيا”.

خطة الكيان المسماة بـ”المدينة الإنسانية” تحضير لتهجير الفلسطينيين إلى مصر ودول أخرى

ويتضمن المخطط الصهيوني نقل 600 ألف فلسطيني إلى المكان في مرحلة أولى بعد خضوعهم لفحص أمني صارم، على ألا يُسمح لهم لاحقا بمغادرتها إلى مناطقهم التي نزحوا منهم.

ورفضت الفصائل الفلسطينية وحركة حماس أي خرائط لتركيز الفلسطينيين في جزء صغير من جنوب القطاع، واعتبرت ذلك تحضيرًا لتهجيرهم قسرًا إلى مصر أو دول أخرى.

واعتبرت هذه الخرائط مساع إسرائيلي لفرض مدينة معزولة يطبق فيها الاحتلال القتل، كما يحصل حالياً في نقاط توزيع المساعدات وفق الآلية الإسرائيلية الأميركية عبر “مؤسّسة غزة الإنسانية”.

وتشدّد حركة حماس عبر وفدها المفاوض على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من محور موراغ (بين خانيونس ورفح)، إذ سيشكل الانسحاب مرحلياً عملية إحباط للخطط الإسرائيلية كما حصل مع “خطة الجنرالات” شمالي القطاع، عندما أُبرم اتفاق يناير 2025، الذي رفض الاحتلال الدخول في مرحلته الثانية في الثاني من مارس الماضي، مستأنفاً حرب الإبادة.

وردّت السلطة الفلسطينية بلهجة حادة على المقترح، إذ قالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان الأحد الماضي، أن “المدينة الإنسانية لا علاقة لها بالإنسانية”.

وحذّرت منظمة العفو الدولية، التي اتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، من أن نقل سكان غزة داخل القطاع أو ترحيلهم خارجه قسرًا يُعدّ “جريمة حرب”.

 

Comments are closed.

اهم الاخبار