د. أحمد العرامي: التلاعب في الجامعات العربية للارتقاء في التصنيفات الدولية

تشهد بعض الجامعات العربية سلوكيات ممنهجة تسعى من خلالها إلى تحسين موقعها في التصنيفات العالمية بطرق غير نزيهة، تتنافى مع القيم الأكاديمية والأخلاقية التي يُفترض أن تقوم عليها مؤسسات التعليم العالي.
تنبع هذه الظاهرة من هوس مفرط بالمراكز التقييمية لا بالمحتوى النوعي، ويُقصد منها غالبًا تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو مؤسسية سريعة، على حساب جودة التعليم وصدق المعرفة.

أنماط المغالطات الشائعة:

– التضخيم العددي في الكوادر الأكاديمية
تعتمد بعض الجامعات على تسجيل أسماء لباحثين عالميين دون أن يكون لهم نشاط فعلي داخل المؤسسة، أو تمنحهم مناصب فخرية ليُحسب إنتاجهم لصالح الجامعة، ما يؤدي إلى تضخيم مصطنع في أعداد الهيئة الأكاديمية.

– التهويل في أعداد الطلاب الدوليين
يجري أحيانًا التلاعب بالأرقام المتعلقة بالطلبة الأجانب، إما عن طريق تعريفات مطاطة للطالب الدولي، أو عبر استقطاب صوري لا ينعكس فعليًا على بيئة الجامعة ولا جودة تنوعها الثقافي.

– التلاعب بالنشر العلمي
حيث تشجع بعض الجامعات على النشر الكمي دون تدقيق في الجودة، وتستخدم أساليب مثل المصانع البحثية، الاقتباس الذاتي المفرط، أو التناوب على الاقتباس بين الباحثين. وهذه الممارسات ترفع من عدد المنشورات والاستشهادات لكنها تضعف القيمة العلمية.
– الشراكات البحثية الصورية
يتم الإعلان عن شراكات دولية أو تعاونات أكاديمية غير حقيقية، أو يجري التنسيق لتبادل التصويت في الاستبيانات التصنيفية، بما يهدف إلى رفع تقييم السمعة الأكاديمية دون وجود تعاون فعلي في أرض الواقع.
– استخدام التصنيفات كأداة دعاية
تعمل بعض الجامعات على شراء مساحات في المؤتمرات أو المجلات العلمية أو التصنيفات الإقليمية التي صُممت خصيصًا لتقديمها في مراكز متقدمة، مما يفقد التصنيفات العالمية معناها التحقيقي ويحولها إلى أداة تسويق.

أمثلة من الواقع العربي:
في دول مثل السعودية ، جرى توثيق حالات واضحة لتوظيف باحثين عالميين على الورق فقط، مقابل مبالغ مالية طائلة، بغرض استخدام أسمائهم في البحوث المنشورة. كما أُشير إلى ممارسات مثل التزوير في الانتماء الأكاديمي أو سرقة الأبحاث، ما دفع بعض وزراء التعليم العالي إلى الاعتراف بهذه الظاهرة والتحذير من تبعاتها.

دوافع هذه الممارسات:
١. السعي لتلميع صورة الدولة ضمن مشاريع وطنية شاملة، حيث يُستخدم التصنيف كرمز للنهضة لا كأداة لتقييم فعلي.

٢. الهوس بالترتيب العالمي الذي يُنظر إليه كمؤشر على النجاح الإداري، وغيابه يُعد فشلًا سياسيًا أو مؤسسيًا.
٣. التمويل والتنافسية، إذ أن الجامعات الأعلى تصنيفًا تحظى بدعم مالي وطلابي وشراكات أكبر، ما يجعل التلاعب وسيلة مغرية لبلوغ الغاية.

الآثار السلبية المتوقعة:

– تآكل النزاهة الأكاديمية نتيجة الممارسات الاحتيالية، مما يُفقد المؤسسات مصداقيتها داخليًا وخارجيًا.

– انخفاض جودة التعليم والبحث إذ يُستبدل التركيز على النوع بالكم، ما يؤدي إلى تخريج كوادر غير مؤهلة علميًا.

– اهتزاز الثقة في التصنيفات العالمية، نتيجة إدراك الجهات المعنية بأنها باتت عرضة للتلاعب، مما يُفقد هذه التصنيفات قيمتها المرجعية ويشوه المشهد الأكاديمي العربي.

توصيات:
*يجب إعادة صياغة معايير التصنيف العالمية لتكافئ النزاهة العلمية لا الكم الزائف. وينبغي إدراج مؤشرات مثل نسب السحب البحثي وجودة المجلات وليس فقط عدد النشر.
*معاقبة الجامعات المخالفة عبر إنذارات واستبعادات مؤقتة أو دائمة من التصنيفات الدولية، لضمان جدية الالتزام الأكاديمي.
*إصلاح السياسات الداخلية للجامعات من خلال تفعيل الرقابة الأكاديمية والتدقيق المستمر في تأليف البحوث والمخرجات العلمية.
*بناء ثقافة أكاديمية جديدة تؤمن بأن التميز لا يأتي من تزوير السمعة بل من التعليم الجيد، والبحث الرصين، والتقييم الموضوعي، والتعاون الأكاديمي الحقيقي.

وفي الأخير:
المغالطات في الجامعات العربية ليست مجرد حالات فردية، بل مؤشر على خلل بنيوي في مفهوم التنمية الجامعية وربطها بالتسويق السياسي والمؤسسي.
لا بد من وقفة جادة تُعيد إلى الجامعات دورها الحقيقي كمؤسسات للعلم والمعرفة، وتُعيد للتصنيفات اعتبارها كمرآة للجودة، لا مجرد وسام شكلي زائف. حيث يبدأ الإصلاح من الداخل، من سياسات الحوكمة الجامعية، ومن وعي النخب الأكاديمية بأن السبيل إلى الارتقاء لا يكون بالتزييف، بل بالإخلاص العلمي والتطوير الحقيقي.

 

*رئيس جامعة البيضاء

Comments are closed.

اهم الاخبار