بشير القاز: أدرعي.. مفتي الهزيمة في حضرة الصواريخ
في زمنٍ يُقلّب فيه المحتلّ أوراقه ليصنع بطولة وهميّة من وسط الرماد، يظهر أفيخاي أدرعي، زعيم الدعاية الصهيونية الرقمية الموجّهة للعرب، لا بصفته ناطقًا عسكريًا، بل كمهرّج رسميّ بكامل بزّته العسكرية، يسوّق الوهم على أنقاض الحقيقة.
فكلما دوّت صفارات الإنذار داخل “تل أبيب” انبرى أدرعي ليرقّع ما تبقّى من وعي جمهورهم، بكلمات تشبه الإنعاش الأخير لجسدٍ يتفسّخ تحت وقع الضربات.
لم يعد ما يقدّمه إعلامًا عسكريًا، بل خطابة مريضة تعاني من فقر المعنى وتضخّم الزيف.
ولأن العجز بلغ ذروته، لم يجد أدرعي ما يستعين به إلا القرآن الكريم ذاته، حيث كتب اليوم على صفحته في فيسبوك بكل وقاحة الآية الكريمة:
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ}
ليُعلّق بها على قصفٍ مزعوم لمنظومات إيرانية.
ويا لسخرية القدر… قاتلُ الأطفال يستعير لسان الأنبياء..
ومحتلّ الأرض يُزايد بنصوص السماء…
كأنّ الدم الفلسطيني على يديه قد غُسِل بحرفٍ من دعايته المسمومة..!
ولم يكتفِ بذلك، بل عاد ليخاطب العرب بمنشور آخر قال فيه:
“أيها العرب، لا تنسوا!”
“من قتل أطفال سوريا وهجّر شعبها هو النظام الإيراني”
“من اجتاح بيروت وروّع المدنيين عام 2008 هو النظام الإيراني”
“من قتل وهجّر السنّة في العراق انتقامًا لشعارات عمرها 1400 سنة هو النظام الإيراني”
“من يعلن أن حربه ضد يزيد يقصد بها أهل السنة… هو النظام الإرهابي”
جميلٌ جدًّا ولكن دعونا نسأل ببساطة:
هل يحقّ لممثل كيانٍ قام على نكبة شعبٍ بأكمله، وارتكب مجازر الإبادة في غزة والضفة وجنين، أن يُلقي علينا موعظةً في الأخلاق…؟
هل يصبح من حاصر مليوني طفل في غزة “ناصحًا بالرحمة”..؟
وهل من حوّل الأرض الفلسطينية إلى مختبرٍ يوميّ للتطهير العرقي يحقّ له أن يتباكى على السنّة أو الشيعة أو أي طائفة من المسلمين..؟
الوقاحة ليست في الخطاب فحسب، بل في الجهة التي تجرؤ على ادعاء الفضيلة…!
فأدرعي لا يخاطب العرب، بل يخاطب مرآته المكسورة، يحاول أن يُقنع ذاته بأن الكيان لم يُهزم، وأن الصواريخ لم تهدم سوى “معنويات الأعداء”.
إنه لا يوجّه خطابه إلى الخارج، بل يُسكّن به الداخل الصهيوني..
المرتبك..
المذعور..
والمكشوف…!
وحين يُصاب الخطاب الصهيوني بفقدان التوازن، يلجأ أدرعي إلى العزف على أوتار الطائفية، ظنًّا منه أنها ستنقذ مشروعًا يتهاوى.
فحين تفشل القبة الحديدية، يخرج ببُذلته العسكرية ليؤدّي دور “المصلح الإسلامي”، يروّج لعداوات مذهبية بلغة ركيكة ولهجة باردة، ويتوهّم أن تمزيق وعي الأمّة أسهل من صدّ صاروخٍ عابر.
لكن ما لا يدركه أدرعي، هو أن الجماهير لم تعد تقرأ منشوراته بقلق… بل بسخرية؛ فما يقوله بات يُشبه خطبة جنائزية يلقيها لصّ على ضحاياه ويطلب منهم التصفيق في النهاية.
لقد سقطت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، واليوم، لا شيء يُجسّد واقع الكيان الصهيوني أفضل من أفيخاي نفسه:
ناطق رسميّ لجيشٍ ملطّخٍ بعار الجريمة، يتراجع، ويتخفّى خلف لغة دينية، ويحاول عبثًا أن يقنعنا أن الغبار المتصاعد من الضربات… مجرّد غيوم في سماء الانتصار.
وفي الختام:
الصواريخ تنخر قلب الكيان، وأفيخاي يتدلّى فوق الركام، يهذي بخطاب أجوف، كأنّ نعيق الهزيمة قادرٌ على بعث مجدٍ ميّت، أو أن نبرة الذعر تُنقذ مشروعًا يلفظ أنفاسه بين أنقاضه.
Comments are closed.