بوادر “نفور دولي”: أيّ خيارات أمام إسرائيل؟

وكالات:

تتزايد الأصوات الدولية المعبّرة عن القلق حيال الوضع الإنساني في قطاع غزة، وذلك نتيجة إصرار إسرائيل على مواصلة حرب الإبادة والتجويع التي تشنّها هناك. وينذر هذا المسار بتولّد «نفور دولي»، يُحتمل أن يتحوّل إلى تهديد طويل الأمد للاقتصاد الإسرائيلي، في ما لو انعكس أفعالاً وإجراءات عقابية جماعية أو فردية، قد تراوِح بين مقاطعة اقتصادية، وفرض عقوبات، وسحب استثمارات. ويعزّز استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وصور التجويع والإبادة الآتية من القطاع، من حالة «النفور» تلك، والتي لا تزال في مراحلها الأولى، وإنْ كان يُحكى عن إمكان اتّساعها لتصبح تهديداً حقيقيّاً، في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، من دون تسويات.

في الاحتمالات والفرضيات، ثمّة ما يُتداول في إسرائيل حول أسوئها: إذا استمرّت الحرب، قد يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحدّيات كبيرة، مِن مِثل تراجع الاستثمارات الأجنبية، وخروج الشركات الدولية من السوق، وتضرّر قطاع التكنولوجيا (الهايتك)، والذي يُعتبر العمود الفقري للاقتصاد. ومن بين السيناريوات المقلقة أيضاً، والتي تُعدّ مدمّرة بدورها، أن يؤدّي «النفور الدولي» إلى مقاطعة فعلية، في حال بدأت الدول أو الشركات الكبرى تتجنّب التعاون مع الشركات الإسرائيلية أو نقل مكاتبها واستثماراتها إلى خارج الكيان.

وفي هذا الإطار تحديداً، جاء قرار «صندوق الثروة السيادي النرويجي» بيعَ أسهمه والخروج من السوق الإسرائيلية، ليثير القلق في تل أبيب، حيث يجري ترويج القرار باعتباره عيّنة ممّا هو قادم. مع ذلك، يجب النظر إلى هذه الخطوة بموضوعية، بالنظر إلى أن «الصندوق النرويجي»، على رغم كونه واحداً من أكبر الصناديق السيادية حول العالم، يبقى تأثيره على الاقتصاد الإسرائيلي هامشيّاً، أخذاً في الاعتبار حجمه الصغير نسبيّاً في السوق المحلية.

في المقابل، ثمّة مَن يرى فرصاً في السوق الإسرائيلية، في ما يعكس وجهة نظر مختلفة تماماً، لا تولي الحرب والإبادة أيّ شأن لدى اتّخاذ قراراتها. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «Nvidia»، عملاق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الأميركية، عن مضاعفة حضورها في تل أبيب؛ إذ ووفقاً لموقع «كالكاليست» العبري، استأجرت الشركة 10 طبقات إضافية في برج «روبنشتاين» في تل أبيب، لتنضمّ إلى الطوابق الثمانية الأخرى التي تستأجرها بالفعل. وبهذه الخطوة، ستشغَل «Nvidia» أكثر من نصف المساحة في البرج المكوّن من 34 طبقة، بمساحة إجمالية تبلغ حوالى 22 ألف متر مربع، فضلاً عن أنها ستوفّر 1200 فرصة عمل.

وما بين الوجهتَين، تعوّل إسرائيل على قدرتها على الحدّ من تأثير «النفور الدولي»، عبر العمل على إبقاء الحديث عن العقوبات أو المقاطعة في دائرة القول وليس الفعل، وهو رهان يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة لمنع أيّ خطوات عقابية حقيقية ضدّ الكيان، على رغم وجود مخاطر محتملة في ضوء موقف واشنطن الأخير، والذي يبدو أكثر مَيلاً إلى إيجاد تسوية في غزة.

ويلعب الاتحاد الأوروبي دوراً محوريّاً في تحديد مدى تأثير «النفور الدولي»، مع أن الموقف الأوروبي لا يزال، إلى الآن، في مرحلة الإدانات والتهديدات، وإنْ كان المتوقّع أن يتطوّر إلى أفعال، في حال استمرّت الحرب. وبدأت بعض الدول الأوروبية، بالفعل، اتّخاذ خطوات أولية، من مثل سحب الاستثمارات أو فرض قيود على التعاون مع الشركات الإسرائيلية، إلا أن هذه الخطوات تبقى رمزية وغير مؤثّرة. ومع ذلك، قد يضطرّ الاتحاد، إذا لم يتمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار، إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة، من مثل فرض عقوبات اقتصادية، والانسحاب من اتفاقات. وهنا يبرز السؤال الأهم: متى سيتولّد هذا الاضطرار؟ هل يكون بعد «إنجاز المهمّة» في غزة أم قَبلها؟

تعتقد إسرائيل بأن «النفور الدولي»، ولا سيما الأوروبي، لن يتجاوز الإدانات إلى إجراءات فعلية؛ وإذا حدث ذلك، فيُتوقّع أن تكون الخطوات رمزية وغير مؤثّرة على اقتصادها. كما أنها تراهن على أن قرارات بروكسل مرتبطة باليوم الذي يلي تحقيق أهداف تل أبيب العسكرية في غزة، أو معظمها في حدّ أدنى، بغضّ النظر عن الكارثة الإنسانية؛ فإذا أَنجزت «المهمّة» في القطاع، تتراجع الضغوط الدولية، وتعود الاستثمارات الخارجية.

وعلى أيّ حال، يعتمد مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، وتبعاً له قرار الحرب، بشكل كبير، على كيفية إدارة الحكومة للأزمة وتداعياتها وفرضياتها؛ إذ في حال تمّ التعامل مع هذه القضايا بـ«حكمة واستباقية»، وهو ما ينقص إسرائيل فعليّاً الآن، فقد تتمكّن من تجنّب التداعيات، في حين أنه إذا استمرت الحرب وتصاعدت حالة «النفور الدولي»، ستجد إسرائيل نفسها أمام تحدّيات غير مسبوقة. لكن حتى الآن، تبدو التهديدات الدولية في بدايتها، والإجراءات المتّخذة ضدّ الكيان رمزية وغير مؤثّرة.

Comments are closed.

اهم الاخبار