د. وليد عبد الحي*: ترامب وترويج الأوهام
تروج دوائر إعلام التطبيع العربي صورة “الموقف الترامبي الحازم” تجاه إسرائيل، وبأنه قادم لإراحة الشرق الأوسط من أوجاعه المزمنة، فهذا الإعلام يحاول المبالغة في دلالات عدم زيارة ترامب لإسرائيل، وفي أنه يحمل مشروعا لفك اشتباك غزة، وبأنه حامي وجود بعض الدول العربية والتي قالها جهارا نهارا.
وتتوالى إشارات الترحيب برئيس تُجمع عشرات الدراسات الغربية وغيرها على أن أهم سمة من سماته أنه “كذاب” إلى مستوى يصل 76% طبقا لتقرير 37 من علماء النفس الأمريكي (بدأ التقرير بفريق قليل من العلماء ثم تزايد المنضمون للمساهمة فيه إلى أن بلغ العدد 37)، كما أن تقارير روسية تكشف وبوضوح انحطاطه الأخلاقي (ويمكن العودة لدراستنا بمراجعها والصادرة في مارس 2025 حول ترامب والتحول في العلاقات الروسية الأمريكية، وفيها تحليل شخصيته في دائرة تحليل الشخصية في المخابرات الروسية وقبلها الكي جي بي السوفييتية).
وإذا كانت قطر قد قدمت له طائرة (قيمتها 400 مليون دولار) ولم تطلعنا قناة الجزيرة على تفاصيل آخرى ، فالأرجح أن الآخرين سيحاولون استرضاءه بكل وسيلة، ولن تطلعنا لا قناة العربية ولا سكاي نيوز عن ما سيجود به حاتم الطائي، بينما سينشغلون في ترويج الأوهام.. ولن يُذَكرَنا أحد بأن ترامب هو من ضم القدس لإسرائيل وتجاوز كل وصاية على مقدساتها، وهو مع ضم الجولان، ومع تهجير غزة، وأوقف كل دعم لوكالة الغوث، وقواته تنتشر في أغلب الدول العربية، وفي صدارتها قاعدة العديد المجاورة لقناة “الرأي والرأي الآخر”، وفي الجوار الآخر مكتب الموساد الدائم.
من الضروري التوقف مع ترامب عند “رعونته مع الصين” في بداية رئاسته الثانية استكمالا لرعونة أقل حدة في رئاسته الأولى، لكن ترامب الذي رفع سقف تعريفاته الجمركية إلى 145%، بدأ يلعق جراحه عندما بصقت الصين في وجهه، فها هو يعود لمستوى 30%، وهنا اسأل: لماذا تراجع ترامب عن رعونته؟، لم تروج الصين له كما يروج له ديوان العرب، بل داوته بالتي كانت هي الداء، وعندما رأى ان حجم التجارة الصينية تجاوز حجمها قبل إجراءات ترامب أدرك الأمر، فانسحب دون أن يرف له جفن.
ترامب الأرعن اخترقه بوتين ووظفه لتفتيت الكتلة الغربية ، وسخرت منه كندا، واستهجنه الأوروبيون بخاصة من هوجه وعدم استقرار توجهاته، بينما العرب يروجون له بأن “الخير يسير في ظله”.
سمعناه أمس يقول “لولا الولايات المتحدة لما كان لقطر والسعودية والإمارات وجود” ،وهو ما يعني أن ثمن وجودكم يا عرب يجب أن يُدفع، وسمعناه يقول “يجب أن تمر السفن الأمريكية من قناة السويس دون دفع رسوم، ويريد أن يحول غزة لريفيرا، وقال بأن إسرائيل رقعة صغيرة “من الضروري أن تتوسع”، وهنا أسأل أين ستتوسع وعلى حساب من؟.
لغة ترامب تجاه إيران بدأت تأخذ صياغة أخفض ضجيجا، فمن يعمل على التشبث بمصالحه ،ويضع ترامب في خانة الحساب الدقيق يستجيب له ترامب، وإلا كيف يصف رئيس كوريا الشمالية “بالرئيس الجيد وبالحرص على التعاون معه”؟
أما العرب ، فيظنون أنهم إذا رقصوا بالسيف معه، وأغدقوه بالهدايا، سيتجاوز حدود الاستراتيجية الأمريكية المستقرة تجاه الشرق الأوسط، أنه قادم ليحصل – سرا أو علانية- على الاستثمارات، وخفض أسعار البترول ، وربما الطلب بخفض التجارة مع الصين وزيادتها معه، وسيطالب بدفع كل نفقات القواعد العسكرية في الخليج وبأرقام تفوق ما هو قائم حاليا ، وقد يعمل على عرقلة مشروع الحزام والطريق الصيني ويدخله في نطاق المساومة مع الصين من على ظهر الإبل العربية.
ها هو يحصل على أسير إسرائيلي أمريكي كان لدى المقاومة، وتخلى عن المواجهة مع أنصار الله، وكلاهما فعل أفرزته القوة لا هدايا دبلوماسية الإنابة التي تتسابق الإبل العربية في مضمارها.. إنه قادم لوضع أسس تعميم التطبيع على من تبقى من مضارب العرب ويبدو أن سوريا تزحف ببعض الحرج نحو القائمة.. وسيدخلنا في أوهام لا أول لها ولا آخر، فمنطقتنا “تحب الأوهام حبا جما”.
إن ترامب مغرم “بالابتزاز”، “فالمازوخية” العربية هي إحدى مسلمات المنظومة المعرفية لترامب.. فلماذا لا يستغلها؟ هو ينظر للعرب باحتقار شديد ولكنه يحترم “محافظ نقودهم”.
دعوني ” افترض” أن هناك فجوة بين ترامب ونيتنياهو -لنفترض- ، فالسؤال هو كيف يمكن استغلال ذلك، الأمر ليس بالرقص والتهليل بل باختبار ذلك؟ الاختبار يستوجب في أقل الحدود إما أن يتراجع عن بعض قرارته السابقة التي أعلنها هو نفسه مثل ضم القدس أو إعادة دعم وكالة الغوث… الخ أو أن يعلن بداية جديدة تقوم على العمل على تبنيه الوقف الفوري للقتال في غزة ووضع جدول زمني قصير المدة لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وفتح المجال لدخول المساعدات مع العمل على إعادة تشغيل مطار وميناء غزة بعد اصلاحهما.. والسؤال لماذا لا يطلب العرب ذلك؟ جوابي لأنهم يتبنون الموقف الأمريكي الإسرائيلي في القضاء على المقاومة وتعميم التطبيع.. واتحدى أن يبرهنوا بعملهم على جهلي وسذاجتي..فربما.
- كاتب وباحث أكاديمي أردني
Comments are closed.