فرض معادلات ردع جديدة: اليمن مقبرة لطائرات “أم كيو 9” الأميركية

تقرير: نجيب علي العصار

 

لكل عدوان أسلحة تقتحم الميدان، صيت بعضها يسبقها بالأهمية والفاعلية، الطائرات المسيرة الأمريكية MQ-9 Reaper، على مدار عشرات الحروب تربّعت على عرش الأهداف والقوة، استعملها الجيش الأمريكي في 2007 وفي العراق عام 2008، ومذاك لم تغب الطائرات بدون طيار (ريبر) يوما عن مشهد الهيمنة الأمريكية، إذ مثلت رمزا لتفوقها العسكري، وخصصتها “واشنطن” لجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الضربات الدقيقة، وكعصا غليظة لتؤدب بها خصومها في منطقة الشرق الأوسط تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

ساحة مفتوحة

في واحدة من أقوى الرسائل العسكرية التي تبعث بها صنعاء إلى واشنطن، أعلنت القوات المسلحة إسقاط 22 طائرة أمريكية بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper خلال معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس لإسناد غزة، رغم تقنياتها المتطورة تسقط الواحدة تلو الأخرى، وتحولت الجغرافيا في اليمن الصامد إلى ساحة مواجهة مفتوحة، بل وفي ذات الوقت إلى مقبرة لطائرات MQ-9 التي تعد من أخطر وأكثر الطائرات القتالية تطورا في ترسانة أقوى الجيوش بالعالم.

لكل حطام حكاية

في اليمن الذي يواجه عدوانا منذ عقد من الزمن لا تسقط المسيرات الأسطورة فحسب بل تسقط معها الهيبة العسكرية الأمريكية لأقوى جيش في العالم وما زالت السماء تنذر بالمزيد.

إسقاط 26 طائرة أمريكية من طراز MQ-9 بينها 22 خلال معركة طوفان الأقصى ولكل حطام حكاية

في أبريل وحده، سُجل رقم غير مسبوق في تاريخ المواجهة الجوية بين اليمن والولايات المتحدة: سبع طائرات أمريكية من طراز MQ-9 Reaper تم إسقاطها فوق البحر الأحمر وفي محافظات الحديدة والجوف وحجة.

22 مسيرة في معركة الفتح

وأما خلال معركة الفتح الموعود، فقد وصلت إلى 22 طائرة، وإجمالي ما تم إسقاطه 26 مسيرة، أربع منها قبل طوفان الأقصى، ضمن التصدي للعدوان السعودي الأمريكي.

ووفق المتحدث العسكري للقوات المسلحة العميد يحيى سريع، فإن جميع تلك المسيرات المعادية تم إسقاطهن بصواريخ “أرض- جو” محلي الصنع.

تراكمي

يقدر موقع “أمريكي نيوز” أن ما مجموعه 127 هجومًا بطائرات بدون طيار أمريكية قد تم شنها في اليمن بين عامي2002 و2016 ؛ 1في2002 و 1في 2010 و 9في2011 و 47 في2012 و 24في2013 و 17في2014 و 24 في2015 و4في2016. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ 15 غارة جوية مأهولة، على الرغم من استخدام الطائرات المأهولة مرة واحدة فقط منذ عام2012.

تطور  نوعي

وفي ذات السياق، وصف المحلل الروسي ألكسندر أرتامونوف، سقوط العديد من الطائرات المسيرة MQ-9 بأنه “سقوط للهيبة الجوية الأميركية”، مشيرا في مقالة نشرت في صحيفة “تسارغراد” الروسية، إلى أن اليمنيين لا يسقطون آلات فحسب، بل يسقطون معها عقيدة عسكرية أميركية طالما رُوّج لها بأنها غير قابلة للاختراق.

موضحا أن الطائرات التي تم إسقاطها، تمثل إحدى ركائز الهيمنة الأميركية الجوية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أنها مخصصة لعمليات التجسس وضرب الأهداف الأرضية وتتمتع بقدرات قتالية واستطلاعية متطورة، حيث تحمل ما يصل إلى 14 صاروخًا من نوع Hellfire ويمكنها التحليق المتواصل لأكثر من 14 ساعة، لكن كل هذه الميزات – وفق أرتامونوف لم تمنع سقوط الطائرات الأميركية تباعا بنيران الدفاعات اليمنية، التي باتت تبرع في اصطيادها بثقة وثبات، ما يعكس تطوراً نوعياً في قدرات القوات المسلحة اليمنية التي طورت من منظومات دفاع جوي محلية الصنع.

أكبر مقبرة لـ MQ-9

ويرى مراقبون إن “الولايات المتحدة لا تملك خياراً آخر، مع فقدانها لكثير من عملائها وأدواتها على الأرض لجمع المعلومات والتجسس، فتبقى هذه الطائرة هي الخيار المتاح لها، وتحت ضغط هذا الدافع يؤكد المراقبون أن واشنطن تضحي بعدد كبير من هذه الطائرات وتعرضها للإسقاط واحدة بعد أخرى، طمعا في الحصول على أدنى قدر من المعلومات علها تساعدها في تحقيق إنجاز ملموس على الأرض اليمنية.

“المفترس” يسقط أرضا!

في آخر مواصفات للطائرة “إم كيو 9 ريبر” MQ-9 Reaper، حسب شركة جنرال أتوميكس “General Atomics” المصنعة، فإن المسيرة

هجومية غير مأهولة وقاذفة للصواريخ بجانب قدراتها في الرصد والمراقبة والاستطلاع والاستشعار والتجسس، قيمتها الفعلية 30 مليون دولار بدون تكاليف الأسلحة والمعدات الإضافية، وتبلغ سرعتها 240 كيلومتراً في الساعة، وتحلق عموما على ارتفاعات تزيد عن 12100 متر.

كما يوصف نظام تشغيلها بالمفترس، لأنه قادر على القيام بأكثر من مهمة، أي الاشتراك في معرفة المعلومات كافة ومتكاملة.

خسائر باهظة

من زاوية البنتاغون، يبدو المشهد أكثر كلفة من أي وقت مضى، وهو ما نقلته شبكة “سي إن إن”، عن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن واشنطن كانت تأمل في تحقيق تفوق جوي خلال 30 يوما، عبر إضعاف الدفاعات الجوية اليمنية، لكن معدلات إسقاط طائرات الدرون إم كيو 9، جعل القيادة المركزية الأمريكية عاجزة عن تحقيق التفوق الجوي، حسب الشبكة، وكذلك عاجزة عن الانتقال إلى مرحلة جديدة كان من المقرر أن تركز على جمع المعلومات الاستخباراتية في اليمن.

وفي ذات السياق، كشف تقرير تحليلي نشره موقع “دزين رو” الروسي عن نجاح الدفاعات الجوية اليمنية في شل قدرة الأسطول الأمريكي على استخدام طائراته بدون طيار فوق البحر الأحمر ومحيطه وهو ما أدى إلى خسائر متزايدة اضطرت واشنطن مؤخرا للاعتراف بها.

ووفقا للتقرير تواجه الولايات المتحدة أزمة متفاقمة مع تصاعد وتيرة إسقاط طائرات MQ-9 Reaper المسيرة وسط تجاهل رسمي سابق للواقع الميداني ما تسبب في حالة من التنافر المعرفي داخل الأوساط العسكرية الأمريكية.

 

 

في اليمن لا تسقط المسيرات الأسطورة فحسب بل تسقط معها الهيبة العسكرية الأمريكية لأقوى جيش في العالم

وفي حين تتوالى المشاهد التوثيقية لخسائر الطائرات الأمريكية في اليمن بشكل شبه يومي تواصل واشنطن تجاهل الإشارة رسميا إلى الغارات الجوية الواسعة التي نفذتها هذه الطائرات فوق الأراضي اليمنية.

وأشار التقرير إلى أن آخر حادثة إسقاط لطائرة (إم كيو-9) أمريكية وقعت في 22 أبريل الجاري مع توقعات باستمرار استهداف هذا النوع من الطائرات.

وبعد صمت رسمي أضر بمصداقية الخطاب الأمريكي بدأ بعض المسؤولين العسكريين بالإقرار بالمشكلة حيث نقل عن مسؤول في البنتاغون لموقع “ذا وور زون” قوله إنهم “مصدومون من تحركات اليمنيين” محذرا من أن استمرار التجاهل قد يؤدي إلى فقدان كامل أسطول الطائرات المسيرة في هذه الساحة العملياتية.

معادلات ردع جديدة

وفي سياق التعامل مع هذا التهديد نقل التقرير عن مصادر عسكرية أمريكية، أن البنتاغون يعتزم نقل طائرات (إم كيو-9) إلى قواعد مخصصة لتنفيذ عمليات هجومية ضد منظومات الدفاع الجوي اليمنية مشيرا إلى أن هذا الإجراء سيكون مؤقتا.

كما لفت التقرير إلى قلق المسؤولين الأمريكيين من أن التهديد للقوات المسلحة اليمنية لم يعد يقتصر على الطائرات بدون طيار فحسب بل بات يشمل الطائرات المأهولة بما فيها القاذفات الشبحية B-2A التي تعرضت لمحاولات استهداف أكثر من مرة.

وختم تحليل “دزين رو” بالتأكيد على أن استمرار عمليات إسقاط الطائرات الأمريكية بيد اليمنيين من شأنه أن يفرض معادلات ردع جديدة في سماء البحر الأحمر ويقوض قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على تفوقها الجوي في واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية حساسية في العالم.

 

 

 

Comments are closed.

اهم الاخبار