Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

د.هشام الشميري: أثر تعييب منطوق الحكم بالتناقض والغموض والتجهيل

المنطوق هو محل الحكم القضائي المتضمن تحديداً للنتيجة التي يرى وجوب تحقيقها في واقعة معينة على نحو ملزم لأطراف الخصومة، أي المتضمن ما حكمت به المحكمة في الخصومة المطروحة عليها. والمنطوق باعتباره هو محل الحكم القضائي فإنه يتعين لوجود الحكم أن يتضمن المنطوق وإلا كان الحكم منعدماً لانتفاء محله الذي يعد ركناً من أركانه الأساسية اللازمة لوجودها، فإذا جاء الحكم خاليا كلياً من أي منطوق أو من أي قضاء وتعذر استخلاصه من أسباب الحكم فان هذا الحكم يكون منعدماً لانتفاء محله الذي يعد ركناً من أركان الحكم الأساسية اللازمة لوجوده، كما لو اقتصر الحكم على مجرد عرض وقائع الدعوى أو بيان الآراء القانونية التي تتنازعها دون أن يحدد نتيجة قانونية تتمثل فيها إرادة القانون بالنسبة لوقائع الدعوى فإنه لا يكون لهذا الحكم الذي لا يضع حلاً لما ثار في الدعوى من نزاع أي وجود قانوني ويكون منعدماً وغير صالحاً للتنفيذ. وهذا ما أكده المشرع اليمني في نصوص قانون المرافعات بما قرره في المادة (56) مرافعات من انعدام الحكم إذا فقد أحد أركانه المنصوص عليها في المادة (217) من ذات القانون، وجعل من هذه الأركان التي رتب على تخلفها انعدام الحكم أن يتضمن الحكم قرار فاصل في خصومة معينة والمُراد بذلك أن يكون الحكم متضمناً منطوق يتضمن قرار المحكمة الفاصل في الخصومة وهذا هو المحل الذي يرد عليه الحكم القضائي، كما أن إرادة القاضي وإرادة القانون التي تُعد جوهر الحكم تتجسد في منطوقة الذي يحدد نتيجة قانونية بالنسبة لوقائع الدعوى فإرادة القاضي وإرادة القانون الظاهرة اللازمة للوجود القانوني للحكم القضائي تتجسد في الشكل القانوني الذي يتخذ وسيلة للإفصاح عنها وهو منطوق الحكم كون أن منطوق الحكم هو الذي يبين إرادة القاضي في إنزال كلمة القانون على واقعة الدعوى، هذا بالإضافة إلى ذلك أن حجية الأمر المقضي به المقررة للأحكام القضائية قصرها المشرع على المنطوق الذي يتضمن قرار المحكمة الفاصل في الخصومة والذي تخرج به الدعوى من حوزة المحكمة ويستنفذ ولايتها عليها وبالتالي إذا جاء الحكم خالياً من المنطوق فانه لا يحوز أي حجية ولا يستنفذ ولاية المحكمة ما يعني أن هذا الحكم يُعد منعدماً لأن الحكم المنعدم هو الذي لا يحوز حجية الأمر المقضي به ولا يستنفذ ولاية المحكمة. وانعدام الحكم في هذه الحالة يفترض فيه أن يكون الحكم خالياً من المنطوق كلياً، أما إذا تضمن الحكم الفصل في بعض الطلبات فان ذلك لا يؤثر على الحكم ولا يعيبه؛ لأن الطلب الذي أغفلت المحكمة الفصل فيه لا يستنفذ سلطتها وولايتها بشأنه، ويظل باقياً على أصله معلقاً أمامها، ويكون السبيل إلى طلب الفصل فيه الرجوع إلى نفس المحكمة بطلب الفصل فيما أغفلته من طلبات وفقاً لنص المادة (232) مرافعات، ولذلك يجب التمييز هنا بين الإغفال بالفصل في الطلب الذي يجعل الطلب معلقاً أمام المحكمة، وبين القضاء صراحة أو ضمناً برفض الطلب الذي وسيله علاجه هو الطعن عليه بأحد طرق الطعن المقررة.
ويثور التساؤل هنا عن الأثر المترتب في حالة ما إذا جاء الحكم القضائي في ظاهره متضمناً منطوقاً لكن هذا المنطوق ورد مشوباً بالغموض والتجهيل والتناقض، فهل يترتب على ذلك العيب انعدام الحكم أم بطلانه فقط؟
ذهب اغلب الفقه الإجرائي إلى أن الانعدام الكلي للمنطوق الذي يترتب عليه انعدام الحكم القضائي لا يتحقق فحسب إذا جاء الحكم في ظاهره خالياً كلياً من المنطوق بل يتحقق أيضاً إذا جاء الحكم في ظاهره متضمناً منطوقاً لكن هذا المنطوق يُعد في الواقع في حكم المعدوم لاستحالته من الناحية الواقعية أو القانونية بحيث يستوي في ذلك وجوده مع عدم وجوده الذي يطلق عليه الفقه بالانعدام الكلي المبستر للمنطوق، فالانعدام الكلي لمنطوق الحكم الذي يترتب عليه انعدام الحكم يتحقق ولو وجد المنطوق من الناحية المادية إذا كان هذا المنطوق منعدم من الناحية القانونية، فلا يكفي الوجود الشكلي أو المادي للمنطوق الذي يتحقق بتضمن الحكم في ظاهرة المنطوق بل يتطلب أن يكون وجوده وجوداً حقيقياً.
وعلى ذلك يتحقق عدم وجود المنطوق الذي يترتب عليه انعدام الحكم القضائي في حالة ما إذا كان المنطوق مكتوباً بطريقة يستحيل معها فهمه، كأن يكتب بخط غير مقروء أو بعبارات يستحيل معها فهمها ومعرفة المقصود منها. ويتحقق أيضاً عدم وجود المنطوق في حالة ما إذا كان المنطوق مناقضاً بعضه بعض تناقضاً يمحو بعضه بعضا أو يجعل فهم القضاء الوارد به أو تنفيذه مستحيلاً، فإذا جاء منطوق الحكم متناقضاً مع بعضه تناقضاً لا يمكن الجمع والتوفيق بينهما فان ذلك التناقض يعدم المنطوق ويجعل الحكم منعدماً.
ويتحقق كذلك عدم وجود المنطوق في حالة ما إذا جاء مشوباً بالتجهيل الفاحش بعناصر الحق المحكوم به من حيث أشخاصه أو محله تجهيلاً يستحيل معه تنفيذه فان هذا التجهيل الفاحش يعدم المنطوق من الناحية القانونية لان ذلك من شانه أن يؤدي إلى تعذر واستحالة تنفيذه من الناحية الواقعية فيجب أن يتضمن منطوق الحكم بيان محل الحق المحكوم به وأشخاصه -صاحب الحق والمدين به- بما يدل على وجود الحق المحكوم به وبما لا يترك شكاً حول محل الحق المحكوم به وأشخاصه وإن لم يعين مقداره وإلا كان الحكم منعدماً، وفي ذلك قضت المحكمة العليا اليمنية في حكمها الصادر من الدائرة المدنية في الطعن المدني رقم (1461) لسنة 1422هـ وتاريخ ٦/ ٢/ ٢٠٠٢م بقولها:( الثابت تضمن الحكم الابتدائي الحكم للمدعي بالبذور للمدة السابقة التي انقطع فيها المدعى عليه عن الوفاء إلى تاريخ رفع يده وهذا حكم بمجهول لعدم بيان قدر المدة السابقة وكمية البذور المحكوم بها أو قدر قيمتها والحكم بمجهول لا يعتد به شرعاً وقانوناً). وهذا بخلاف ما إذا جاء منطوق الحكم مبيناً لعناصر الحق المحكوم به، غير أن هذا البيان لم يكن بياناً كافياً ما يجعله مشوباً بالغموض والإبهام الذي لا يصل إلى حد القول بانتفاء محله والذي لا يؤدي إلى استحالة تنفيذه، فإن هذا لا يؤثر على الحكم، وإنما يكون للخصم أن يطلب من المحكمة تفسير ذلك الغموض وفقاً لنص المادة (256) من قانون المرافعات.
كما يتحقق عدم وجود المنطوق الذي يترتب عليه انعدام الحكم في حالة ما إذا جاء المنطوق متضمناً الفصل في واقعة صورية لا شأن لها بالدعوى، ففي هذه الحالة يتحقق عدم وجود المنطوق الذي يترتب عليه انعدام الحكم. ويتحقق أيضاً عدم وجود المنطوق في حالة ما إذا كان منطوقة مستحيلاً استحالة مطلقة من الناحية الواقعية، ويكون ذلك عند استحالة تنفيذه كالحكم بتسليم طفل قد توفي أو الحكم بإلزام الخصم المدعى عليه الذي توفي قبل صدوره بالقيام بعمل لصيق بشخصه كرسم لوحة فنية مثلاً. ويتحقق كذلك عدم وجود المنطوق عند ورود منطوق الحكم معلقاً على واقعة مستقبلية أو على سبيل التخيير، فان هذا الحكم يكون منعدماً؛ لان ذلك من شانه أن يؤدي إلى تعذر واستحالة تنفيذه من الناحية الواقعية، وهو ما يعدم المحل ومن ثم يجعل الحكم منعدماً.
والله ولي الهداية والتوفيق،،،
Share

التصنيفات: أقــلام,عاجل

Share