Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

د. أمين الجبر: في ذكرى ثورة 14 أكتوبر.. مجرد تأمل

تجمع أغلب نظريات فلسفة التاريخ في رؤيتها الكليانية نحو الحروب والثورات على أنها بمثابة “محرك التاريخ” وحسب، فضلا عن اعتبارها انعطافة تاريخية مفصلية تؤسس لبزوغ عهد وانقراض آخر .. عهد مغاير لماضيه ثقافة ومعطى.
وإنها – أيضا – اللحظة الفارقة في سياق الصيرورة التاريخية العامة الأكثر اشراقا وتجليا التي ترهص لمستقبل افتراضي متجدد وخلاق. هذه الحتمية التاريخية التي لا تستثني أحدا من الاجتماع الإنساني المستوطن الجغرافيا، تحققت فعلا في أحداث ثورة 14 أكتوبر 1963م المجيدة والتي تغاصنت من أكثر من رافد وشكلت امتدادا ثوريا لحركة التحرر العربي التي ارهصتها الحركة الوطنية بكل تعبيراتها في جنوب اليمن، والتي غدت أنقى حدث ثوري شهدته اليمن المعاصر، ليس لانه موجها وضدا لاجنبي محتل وحسب، انما لأنه يشكل إجماع ثوري في مختلف الخارطة السياسية اليمنية، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وليس ثمة معارضة له من اي طرف سوى القليل ممن تماهى مع مشاريع الاحتلال بقصد تكتيكي ليس غير، فضلا عن انه – أي حدث الثورة – يتغي في مبادئه الثورية التحرر من ربقة اسواء استعمار حاول طوال عهده طمس الهوية الوطنية واستبدالها بهويات مناطقية/ جهوية عديدة، بل وسعى جاهدا الى تغذية الصراعات والتناقضات المختلفة بقصد استمراريته واستحواذه على خيرات البلد لاطول فترة ممكنة.
إن القيمة التاريخية لثورة الرابع عشر من أكتوبر تكمن في كونها فعلا وطنيا خالصا ضد استعمار خارجي طاغي وحدثا تاريخيا مفصليا في حياة شعبنا اليمني أسس – بشكل أو بآخر – للمابعد الثوري المتجلي في مشروع الدولة الوطنية الحديثة التي استوعبت بقدر أو بآخر مفاهيم اكثر حداثة واحفل مدنية كالمواطنة والديمقراطية …الخ أيا كانت النسبية فيها والتي حتما صهرت كل سلبيات العهد السابق (زمن الاستعمار)، ووحدت العديد من السلطنات والمشيخات في كيان سياسي واحد، بل يكفي هذا الحدث الثوري النقي أهمية انه وحد الهوية الوطنية واذاب كل الجهويات والاثنيات المحلية والنزعات القروية..
آمنت حركة القوميين العرب بفكرة الكفاح المسلح في اليمن منذ خمسينيات القرن المنصرم، وعند انفجار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 م في شمال اليمن تكاملت الظروف الموضوعية وشكلت خلفية مساندة لانفجار ثورة أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن.. ووصلت القوى السياسية ممثلة بالجبهة القومية الى مرحلة اليقين الثوري وإعلان الكفاح المسلح، وهو الطريق الذي آمنت به فصائل الحركة الوطنية، وبدأت اول شرارة الثورة من جبال ردفان يوم 14 أكتوبر ليدشن اول شهيد لها غالب بن راجح لبوزة، رافق ذلك نشاط إعلامي مكثف لعبت فيه وسائل الإعلام من صحافة واذاعة دورا كبيرا. وتمكنت خلال عامها الأول أن تصل إلى مدينة عدن وتشمل على مناطق عديدة في جنوب الوطن.
شكل التباين الايديولوجي بين فصائل الثورة ما يمكن أن نسميه تسويف وتمرحل في نضالاتها ومواقفها من الكفاح المسلح، فثمة تشاطر واستقطاب تمحور بالمجمل بين ما اعتبروه يسارا ويمينا كان لكل طرف منهما موقفا ورأيا متضادان ومتقاطعان، الأمر الذي شكل بؤرة صراع ما بعد الثورة، إلا أن ما نستطيع الجزم به أن فكرة الكفاح المسلح والاستقلال الناجز هو ما كان، والذي تغلب في نهاية المطاف على كل المشاريع والرؤى التي رأت عكس ذلك، لتدخل من ثم في مسار من الجدل والصراع الايديولوجي الذي أفضى بالمحصلة النهائية إلى انتصار قوى اليسار كما تذكر المصادر التاريخية.
إن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن ثورة 14 أكتوبر، ايا كانت نكهتها السياسية وتوجهها الثوري ستظل خالدة في الوجدان الجمعي اليمني، وسيظل لاهدافها ومبادئها الدور الكبير في بوصلة الوعي الوطني/ الوحدوي نحو الهوية اليمنية الكبيرة، وأن حدثها سيكون له أثره الايجابي على واقع اليوم وعلى الصراع الدائر في الساحة الوطنية اذ مما لاشك فيه أن ثقافته وما تركه في الذاكرة الجمعية الوطنية من قيم ومبادئ وطنية كفيل بإمكانية لملمة المشروع الوطني والتخفيف من حدة الصراع الدائر.
إن أهم القيم السياسية والتاريخية التي يمكن لنا أن نستقيها من ذكرى ثورة 14 أكتوبر هي الانتصار للقيم والمبادئ والتي حتما تفضي في المحصلة إلى الانتصار النهائي المتوج ببناء الدولة المدنية الحديثة، فضلا عن قيمة الإصرار والصمود في وجه العواصف والمؤامرات من أي طامع أو انتهازي. وتبقى أهم قيمة يمكن أن نستقيها من هذا الحدث هي قيمة الثبات والجلد على المبادئ والتي من شأنها تجرم المساومة على السيادة الوطنية أو المتاجرة بقيم الدولة المدنية . تلك المبادئ في اعتقادنا تظل حية وفاعلة في الوجدان الوطني يمكن بها استلهام ومعالجة الراهن الممزق وتجسير الواقع الاصطراعي الذي كرسه واقع الحال وافرزته العقلية المتعصبة.
*من صفحته على الفيس بوك
Share

التصنيفات: أقــلام,عاجل

Share