Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

قراءة رواية رماد الذاكرة للكاتبة فاتن عبدالله

قراءة: نجيب التركي
مما يبعث في النفس البهجة، تواتر إنتاج الكتب_ في خضم الحرب_ بمختلف أجناسها الأدبية، كان مما وصلني هذه المرة رواية (رماد الذاكرة)، من العتبتان الأوليتان يبرز العمل، كعمل متقن، نحتاج لقراءته مرة تلو أخرى.
هذه الرواية هي الأولى للكاتبة: “فاتن” الصادرة عن
(دار مرايا للطباعة والنشر) دبي_الإمارات_، الطبعة الأولى، وتقع الرواية في ١٣٦ صفحة، تفننت الكاتبة في العنوان وفي الغلاف أيضًا، يُظهر لنا الغلاف، النار المتأججة التي هي في أوج ذروتها، لا تبقي ولا تبذر، الرائي له ولو من بعيد، يحسّ بحرارتها سواءً في عينيه أو في باقي جسده.
وصلت إلى صفحة٢١، ما زلت أبحث عن حبكة، عن مدخل، عن تمهيد للرواية، لم أصل بعد، أدركت أنني أمام كتابات رسائلية جُمعت فوزّعت على الورق،
الشيء الجيد فيها إلهامها لي بجمع نصوصي المبعثرة لتكون بين دفتين، لا يهمني جَيّدها مِن سيّئها، المهم
أنها تُؤرشف وتُرشف.
ما بين ثلاث إلى أربع صفحات، وضعت لنا الكاتبة ما يشبه الشذرة، ربما أرادت تذكرينا بأن ما كتب نابع عن وجدانيات لم تزل في الذاكرة، وبهذه السطور القصيرة سيتم تعميدها لتخلد في أذهاننا، وليصعب على الغد إجهاض اللهفة في أعماقنا.
اللغة في الرواية شاعرية بامتياز، صفحة بعد أخرى
وأنا أستمتع بلغة شاعرية ليس فيها تكلّف، بالقدر الذي فيه أنها تحثّك على كتابة شيء ما يشبه تلك البساطة، لا أعني بالبساطة أنها مبتذلة، بالعكس، بساطتها أحمدية ملهمة.
بوصولي إلى صفحة ٤٢ انتظرت بلهفة معرفة الحبيب البديل، لأتفاجأ عزوف الراوي المتكلم عنه، مقدمةً له اعتذارًا رسميًا، ريثما تستقبل صديقتها “نوال” التي حسب ما ورد بين السطور:
الجميع يريد الوصول إليها، تقصد “نوال”، من هذه الثغرة اتضج لي أن الخلل يكمن في البطلة لا في مُستقبلي حبها، فكيف لها أن تترك (تعتذر) لحبيبٍ انتظرته ليزيح الهم من كاهلها، لتستقبل عِوضا عنه، صديقتها التي قطعت ارتباكها كما زعمت.
هروب واضح من لحظة اللهفة،(لم يتم لي اللحاق به، والاحتفاء به كما يجب)، بكلمة (أسبوع) أدركت أن الحبيب البديل، قد انقضت مدة إقامته في تلك المدينة، التي آثر إلا أن يزورها للقاء حبيبته، أين مشاهد اللقاء، الحفاوة، الاستقبال، الأخذ والعطاء، الدهشة التي ترتسم في العيون قبل الشفاة؟
لأنني إنسان أتأثر بما أقرأ، ومن ضمن ما تأثرت به مشاعر جلال الباردة تجاه بطلتنا التي ضلّت تكتب له رسالتها المطولة دون عناء يذكر، وهذه الرواية تذكرني بأخرى(رجولة سامة) ل” أنوار المردحي” ورد فيها اسمًا بت أكره” أسامة”، صار لي إذًا اسمان غير، محببان(أسامة هناك، وجلال هنا).
بما أن الكاتبة ذكرت مدينتها العظيمة (ذمار) توقعت أن يكون هناك ولو جزء بسيط من اللغة الدارجة في تلك المدينة، على الأقل بلسان واحد من الشخصيات، حتى يتضح المشهد ولكي ندخل معها تحت مظلة واحدة، بالتأكيد ليس مناسبًا لها بقاءنا تحت وابل من قطرات المطر.
ابداء الكاتب لرأيه السياسي في خضم ما يكتبه، لا يعد ميزة يحسد عليها، لذا كان على الكاتبة التزام الحياد فيما يخص المسائل السياسية، هذه وجهة نظر، وللكاتبة الأخذ بها، أو تركها تصارع مغبات التسويف.
كبقعة ضوء.. هاربة.. حينما وصلت إلى الصفحة، ٦٢، فكٌرت مرارًا وتكرارًا في أن لو الكاتبة اتخذت تلك الجملة كعنوان للرواية، لكانت أشد لفتا للانتباه، وأجمل جاذبية من (رماد الذاكرة)، لا أعيب العنوان بالقدر الذي أُشيد فيه بجماليات العتبات الأولى والتي على رأسها العنوان.
بوصولي إلى الصفحة ٦٥، بزغ للذهن اختصار ما قامت به البطلة من شرح للجحود الذي تلقّته من “جلال”، بهذه الشذرة:(وضعتك في كبد السماء؛ فأردت إلا تثبيت نفسك على الأرض).
تناولت الرواية، الحب، الحرب، الغربة، المجتمع السلطوي، العادات، التقاليد، الضغط في العمل، المرض الغربة، نتائج التجاهل، تخلّف الرجل عن التزامته، الزواج، المرأة، الإسراف في المشاعر، وقاحة الطرف الآخر، كانت الرواية بمثابة زجاج يعكس ألم وأمل الإنسان في بوتقة واحدة.
النفس السردي للكاتبة تحسد عليه، واللغة الشعرية في الرواية مكثفة لدرجة لا تصدق، فكلما فكرت أن الكاتبة ستغير من تلك اللغة زاد أوار استخدامها لها، ما جعلني أتساءل: هل إذا ما كتبت رواية أخرى، ستستخدم نفس اللغة؟ إن كان نعم، فذلك تكرار وكارثة، وإن كان لا، فذلك ما جزمت أنها بصدد صنعه؟.
Share

التصنيفات: ثقافــة

Share