Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

حروف

تمارا محمد

حرف (1)

لا تزال تذكر دينا اليوم الذي غادرت فيه منزلها صباحاً مُتوجهة نحو المبنى الذي وصلتها منه رسالة نصية مفادها «صباح الخير موعد الزيارة الخاص بك تم تحديده غداً صباحاً»، وهي تُمسك هاتفها المحمول بكل حِرص وشِدّة كأنها تخاف ضياعه، فهو الشيء الوحيد الذي بات يحمل لها تلك الرسالة التي انتظرتها وباتت دليلها الأوحد والإثبات الأدق في سبيل حصولها على تِلك الزيارة.
تقف أمام المبنى الضخم القديم الذي توالت سنين على وجوده وحمل بين أحجاره أعواما من الفراق والدموع والألم. عند الباب يقف أمامها رجل طويل وبكل حزم «تفضّلي كيف لي بمساعدتك» تُمسك دينا هاتفها المحمول وبصوت متردد تجيب «الرسالة هُنا جئت للزيارة».
تحاول دينا وقد نال أصابع يديها المرتجفة شيء من التوتر باحثة لإخراج الرسالة النصية وبسرعة تفتحها وكأنّها تراها لأول مرة كمن أضاع شيئاً ووجده قائلةً «ها هي الرسالة هل لكَ أن تقرأها». يحاول الرجل قراءة الرسالة يستأذنها بأخذ الهاتف المحمول لصعوبة قراءتها من بعيد يبتسم قليلاً ويجيب «الزيارات المخصصة لهذا اليوم تم تأجيلها». تسترجع هاتفها منه وتُغادر المكان مسرعة وكأن الزيارة باتت تنتظرها في مكان آخر، ما زالت شاشة هاتفها مفتوحة على الرسالة.. ينطفئ ضوء الشاشة مرة وتُعيد إضاءته مرة أخرى وفي داخلها صوت يُخاطبها «قد لا تكتمل الرسائل التي ننتظرها إلّا أنّ الحروف لن تُضيع طريقها وإن طال وصولها».

حرف (2)

صوت المنبه يُشير إلى أن الساعة هي العاشرة صباحاً، يستيقظ رامي يبدأ بالاستعداد مُرتدياً ملابسه بشكل سريع على غير عادته التي كان حريصاً بها على انتقاء ملابسه بكل دقة وأناقة، يحمل حقيبته يُغلق باب المنزل ويغادر. صباح الخير – أصوات عديدة تأتي من جهات كثيرة تُلقي تحية الصباح على رامي، الذي وكأنه بات عاجزاً عن الرد على أي تحية منها، مُكتفياً بسماعها هذا الصباح فقط.
«صباح الخير» ينطلق صوت رامي الذي وكأنّه اختار في هذا اليوم أن يجمع الصباحات كافة ليجيب عليها بتحية صباحية واحدة من خلف مذياعه الصباحي.
يصمت قليلاً.. يعود بصوت تشعُر وكأنّه أضاع شيئاً ما عجِز عن إيجاده «نعم هذه ليست المرة الأولى التي اخترت أن أبدأ بها الصباح بقول «صباح الخير» يُخاطب رامي مستمعيه.. «لكنها المرّة الأولى التي اخترت أن أُجيب الصباح ذاته وكل من تجاوزتهم صباحاً دون رد التحية!». «لربما كان من المفترض أمام مهنتي كمذيع راديو أن أعرف ما سأقدمه لكم اليوم. ليلة أمس جلست أمام أوراقي المتناثرة أُحاول عبثاً كتابة ما سأقوله، وحينما أدركتُ أنّ ليس كل ما أردنا قوله قابلا أن يُترجم حروفاً تركت أوراقي كما هي أطفأت النور وذهبت للنوم». يستكمل «صباح هذا اليوم وعند وصولي للإذاعة تلقيت الصباحات بمختلف أشكالها وألوانها وأصواتها من هُنا وهُناك من هذا وذاك.. اختلفت طرق وصول رسائل الصباح إلّا أنها تشابهت جميعاً بصمتي الرهيب أمامها!».
الساعة تُشير إلى أن الوقت المخصص لفقرة رامي الإذاعية الصباحية اقتربت من النهاية.. ونحو نظرات رامي المتوجهة من بعيد لفريق العمل الذي يطالبه بضرورة الاختتام، يختار رامي جملة واحدة «عزيزي المستمع ليست كُل الحروف قابلة بأن تُروى قابلة بأن تُشرح» ومنها «صباح الخير».
ينتهي البث الإذاعي الخاص برامي وقبل أن يبدأ بالاستعداد لمغادرة المكان ينطلق صوت يُشير إلى وصول رسالة نصيّة إلى هاتفه، يُمسكه وبنظرة تملّكها الكثير من التردد يتساءل رامي مُنتظراً من سينتصر ومن سيُهزم أولاً حروفه أم حروف تِلك الرسالة؟

كاتبة من الأردن

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share