Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

حال ثقافتنا العربية

نبيل ياسين*

في رسائل إلكترونية مع بعض الأصدقاء من المثقفين العرب حول حال الثقافة العربية، سادت ملامح يأس من الوضع الثقافي العربي الراهن. وربط بعض المثقفين وضع ثقافتنا بوضع الثقافة العالمية البائس هو الآخر منذ عامين، بسبب انتشار وباء كورونا عالميا، بعد أن تقلصت معونات الدول الأوروبية للمنظمات المدنية المعنية بالثقافة، وانحسار المؤتمرات والمهرجانات، وإغلاق المكتبات ودور النشر، في قرارات الإغلاق العام بسبب الوباء.
ورغم ظهور وانتشار عدد من الجوائز الثقافية، إلا أن الإنتاج الثقافي يتقلص من حيث نوعيته وتأثيره في المجتمعات، ويزداد بعدا عن الآمال المعقودة عليه في المساهمة بالتنمية والتطور والوعي الاجتماعي. تعيش الثقافة العربية حالة من التخندق الجديد، الذي تخلى عن المفاهيم القديمة ذات الطابع الأيديولوجي، ودخل في مفاهيم بديلة، لكنها ضيقة تقود البيئة الثقافية إلى التلوث.
ما هي مظاهر الحياة الثقافية اليوم؟
لا يمكن لثقافة أن تزدهر بمعزل عن ازدهار البيئة التي تعيش فيها وتغذيها بعناصر التطور، فالثقافةً لا تنفصل عن الاستقرار والعلاقات بوسائل نشر الثقافة وتسويقها ضمن حركة السوق الاقتصادية .منذ عشرينيات القرن الماضي، ارتبط الإنتاج الثقافي بالجامعات والأسلوب الأكاديمي، ثمّ ارتبط بحركةٍ نقدية واسعة وقوية ساهمت في التسويق الثقافي في المجتمعات، لتكون الثقافة عمليةً مترابطة، ساهمت المجلات الثقافية المتخصصة، والسجالات النقدية، وتأثير الأساليب العالمية في هذه العملية. لدينا تاريخ طويل نستطيع سرده عن مؤلفين ومجلات ونقاد ربط مؤرخو الأدب خلالها، بين الإنتاج الثقافي الحديث، والإنتاج الذي كان تراثا وكلاسيكيات، أحيت العلاقة بين الماضي والحاضر، ما ساعد على إنتاج وتطوير أساليب ومدارس شعرية وأدبية، أسسها الآباء المؤسسون في الثقافة، مثل الآباء المؤسسين للدستور الأمريكي، لكن ماذا جرى لكي يغيب الآباء المؤسسون ويتنكر الأبناء لآبائهم، وهي مشكلة ساهمت في تشظي الثقافة العربية، وفي إحداث ثغرة في مراحل تطور الثقافة وانكفائها، على يد الأجيال الجديدة داخل كل بلد، مع تواصل هش ومحدود تغلب عليه العلاقات الشخصية، أكثر مما تغلب عليه العلاقات الثقافية، التي كانت سائدة ونشيطة حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي. ومع حساب المتغيرات التي طرأت وترسخت منذ الحرب على العراق عام 2003 فإن الحرفية الثقافية تراجعت كثيرا لصالح الهواية الثقافية. فالأجيال الجديدة تجد نفسها (متحررة) من كل التزام ثقافي مرجعي نقدي، مندفعة إلى الجوائز والشهرة والقطرية، أو البلدية، في ثقافة أمة لغتها الواحدة تنتج ثقافة واحدة، ساهم النقد في نشر وترسيخ هويتها.

كان هناك أدب مصري وأدب عراقي وأدب سوري وأدب لبناني وأدب مغربي لكنه في النهاية ينصهر في أدب امة لغوية ليشكل هوية لغوية لثقافة مشتركة.

ترتكب مواقع التواصل الاجتماعي آثامها في نشر تقييمات إخوانية (انتشر الأدب الإخواني في عهود الانحطاط التي أعقبت سقوط بغداد عام 1258) فظهرت موجة تعظّم من الإنتاج الثقافي المتدني، مع إطلاق ألقاب مثل الشاعر الكبير والمفكر والسارد العظيم، وإطلاق ألقاب تخص المدن والمحافظات، وأحيانا الأقضية والنواحي، حيث يصبح الأدب ممثلا لمدينة، وليس بلدا أو أمة ثقافية. كما فعل السياب مثلا مع نهر بويب، أو قرية جيكور، حيث رفعهما إلى منزلة رمزين شعريين. وهذا النوع من الأدب الإخواني يمزق هوية الثقافة الوطنية الرصينة، إلى هويات فرعية صغيرة ذات تعبير سطحي وفردي .
كان هناك أدب مصري وأدب عراقي وأدب سوري وأدب لبناني وأدب مغربي لكنه في النهاية ينصهر في أدب امة لغوية ليشكل هوية لغوية لثقافة مشتركة.
عوامل خارجية وجدت استعدادا داخليا لهذا التشظي، ولهذا النوع من الثقافة، فهذه الحالة لا تخص الأدب وحده، وإنما تعدته إلى المجال العام، أي مجال المجتمع الذي أصبح يشكل وعيه عبر ما سميته في مقال نشر في مجلة لبنانية فلسطينية «الحرية» عام 1985 بـ(أزمة الوعي المغترب) وكانت نقاشا لبعض أفكار للشاعر أدونيس في مقابلة أجريت معه.
نحن بحاجة لنقاش فكري رصين حول موقعنا الثقافي في العالم.. نحن نتأثر لكننا لا نؤثر، وحتى تأثرنا أصبح فاعلا أساسيا، فاعلا فكريا وثقافيا في حياتنا، بحيث أصبحنا عبارة عن شراح لما ينتجه الغرب من ثقافة ومن أفكار، تتناقض مع ما أُطلق عليه (البنية الحضارية) لمنطقتنا، لأننا لا ننتج ثقافتنا إلا على ضوء ما تعطيه الثقافات الأخرى. لقد أصبحت ثقافتنا نتاجا لما نقرأ من ترجمات..

كاتب عراقي

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share