Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

100 عام من نكسة الأغنية الوطنيّة: هل مازلنا بحاجة لها أصلاً؟

مصطفى فضل*

“عدّى النهار”.. هو دائماً “يعدّي” دون أن نتمكّن، كعربٍ، من رؤيته أو المشاركة فيه. حاضرُنا لا يختلف كثيراً عن ماضينا، نحن ندَّابو الحظوظ، نُغلق على أنفسنا الأبواب ونكتئب لنغنّي.. نحن أمّة النكبة والنكسة والغناء المهزوم، النكبة والنكسة والغناء هنا مترادفاتٌ تجتمع على شرف الهاوية العربيّة.

“عدّى النهار”.. هو دائماً “يعدّي” دون أن نتمكّن، كعربٍ، من رؤيته أو المشاركة فيه.

تنحَّى جمال عبد الناصر عن حُكم مصر في الظاهر بعد نكسة يونيو 1967، فغنّى عبد الحليم حافظ أنشودة المغلوبين ومعلّقتها الخالدة في الباطن “عدّى النهار”، رجع “عبد الناصر” في كلامه بعد يومين عن التنحّي، فغيّر “حليم” مساره، كأنه مستأجَرٌ بالقطعة، ليُترجم الموقف السياسي الحزين، وغنّى “البندقية اتكلمت”، مع أنها في تلك اللحظة لم تكن قد تكلّمت بعدُ.

دائماً ما نتمنّى ولا نحقق أمنيّاتنا إلا في “كتاب الأغاني”.

لم نسمع أغنيةً أمريكيّةً تقول “أحسن جيوش في الأمم جيوشنا”، مثل تلك التي كتبها بديع خيري وغنّاها سيّد درويش منذ نحو 100 عام، وأورثاها إلى أجيالٍ لاحقةٍ تباهت بانتصارٍ متوهَّمٍ وأمّةٍ متخيّلة.

لم نسمع فرنسيّاً احتلَّ هتلر المجرم أرضَه يغنّي مكسوراً “أخي جاوز الظالمون المدى”، كما فعل موسيقار الأجيال العربيّة، محمد عبد الوهاب، في خمسينيات القرن العشرين، قرن الهزائم والنكبات والنكسات العربيّة التي لا تُحصى.

يقول “ابن خلدون” إن “المغلوب مولعٌ دائماً بتقليد الغالب”، فلماذا لا تتحلّى أمّتنا المتراجعة بواقعيّة الأمم المتقدّمة في أغانيها، وتُصرُّ فقط على التمسّك باجترار ماضيها عبر أطلال صليل السيوف وقرع الطبول وصراخ المغنّين؟

صحيحٌ أنني من دعاة التمسّك بشكل أغنيتنا، لكن الوضع إزاء ما يسمى بالأغنية الوطنيّة أصبح ينذر بمأساةٍ حقيقيّة، فقد صارت الأغنية الوطنيّة أداة السلطة في الدعوة لأيِّ حشدٍ تريده، فتدعو “هتّيفة الانتخابات الجُدد”، الملحنين والمطربين، ليؤدوا دور “جلّابي الجماهير”، وكلّه حسب الطلب، إذ يطلب الضابطُ الخفيُّ أغنيةً عن ضرورة النزول للاستفتاء أو انتخابات الرئاسة، على أن تربط الأغنية الوطنيّة المطلوبة بين هذا النزول وفعل الرجولة لدى الرجال، وبالتالي هم يخاطبون إحساس المصري بالعار إن لم ينزل إلى لجان الاستفتاء والانتخاب، فتكون أغنية حكيم “عندك نزولة”، التي نفّذها ضابط المخابرات الشرفي الملحن عمرو مصطفى.

لا توجد أمّة غير مستقرّةٍ سياسيّاً تُصلح حالها بالأغاني والأناشيد..

لا توجد أمّة غير مستقرّةٍ سياسيّاً تُصلح حالها بالأغاني والأناشيد.. فهذا التعامي عن الخراب لا يمكن إصلاحه إلا عبر أغنياتٍ تستهدف التغيير وتدافع عنه، ولا تخجل من تعرية سوءاتها وسوءة المجتمع الذي أنبتها.

إن ما يسمّى بالأغنية الوطنيّة العربيّة يحتاج إلى إعادة نظر، كمفهومٍ وتطبيق، فمن حيث المفهوم نريد تعريفاً لها والغرض من ورائها، فالمجتمع الذي تأثّر بأغنيات الاشتراكيّة لـ”حليم” تعطّل كثيراً تحوّله إلى رأسماليّة السادات، والمجتمع الذي عاش على امتداح الأفراد من سلطانٍ إلى ملكٍ إلى رئيس جمهورية، من الصعب أن يناقش قضاياه الجمعيّة لأنه مكبّلٌ ومحبوسٌ في صورة فردٍ واحدٍ وحيد، يتكلّم بلسان الوطن ويُملي على أفراده مشاعرهم القوميّة، وما يجب أن يحلموا به لبلادهم وما لا يجب، الفرد الحاكم يصير في نفسه دستوراً ونظامَ حياةٍ لمجتمع القطيع الذي تُلهبه توزيعاتٌ موسيقيّةٌ زاعقة، ومفرداتٌ تقول له إن “حبَّ الوطن فَرْضٌ عليه” ومن يخالف الفرض كفر بالإله الذي فَرَضَ الفَرْض..

رصيف 22

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share