Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

ناصيف ياسين:” إلى أمّي : وكلّ الأمّهات ” .

كفى الأمّ تقديسًا أنها حملت جنينها ” وهنًا على وهن … ” .
كفاها تمجيدًا أنّ الجنّة – بعَرْضِ السماوات والأرض – فُرِشَت تحت قدميها .
فليس عجيبًا ، أنْ تغطَّ الطبيعةُ طوالَ سُباتها السنويّ ، لِتستيقظَ في يوم عيدها ، وتفتحَ صدر الأرض ، كي تُقدّمَ لها ما اخضرّ من حياة ، وما تفتّحَ من أكمام الورود والأزاهر والرياحين ، عربون وفاءٍ لِمَن تَهَب الدنيا أجمل الأُعطيات …
مع أنّ اللغة أعظم إنتاجٍ عبقريٍّ للبشر ، لكنها تبقى قاصرةً ، عاجزةً عن إيفاء الأمّ حقّ قدْرِها : فالحروف تُكبّل المعاني ، وعطاءُ الأمّ يفيض عن ، وعلى ، كلّ العطاءات والحدود : جودًا وكرَمًا ، ودون مِنّةٍ أو حساب . فهي ترى وليدها: فلذةً من كبدها ، يحبو ، ويدرجُ ، ويمشي على الأرض ، فتُماشيه روحُها ، كي لا تزلَّ به القدم ، وتصلُ بدُعائها ، ما بين قلبها وكبد السماء ، لئلّا يدنوَ منه السوء : ما خَفِيَ منه ، وما ظهَر ؟!
هو الربيع ، إذن ، لا يبدأ إلّا حينما تأذنُ له الأمومةُ ، فهي التي تبعث روح الجمال في الكون ، ولعينيها، ترفُلُ الكائنات بأجملِ حلَلِها ، إيذانًا بِرِضاها ، ولِرِضاها .
عيدُ الأمّ ، ليس يومًا ، بل هو العمر لِمَن تَهبُ العمر ، وهو الفرح لِمَن تعتصرُ الألَمَ لِتُنجِبَ من رحيقه أكاسيرَ الفرَح ومباهجَ الزمن الذي لا ينكسر ولا تنبتُ أشواكه وتعشوشٍبُ طحالِبُهُ ، إلّا بِرحيلها !
ولكن : لا بدّ ، في هذا اليوم ، من معايشة أمّهات الشهداء- فكرًا وروحًا – مَنْ قدّمْنَ فلذاتِ أكبادِهِنّ كُرْمى لِعيون الوطن ومقدّساته ، ومعهنّ أمّهات الأسرى والمُعتقَلين والمخطوفين والمفقودين .
كما يجدر بنا التماهي مع مَن فقدوا أمّهاتهم ، وهم يِعايشون يُتْمَ الحنوّ ، وفقدانَ أجمل سندٍ كان يقيهم العثرات وعاديات الزمن .
ما لا يَخفى ، أنّ اجتراحَ تسمية ” الأُمَّة ” من الأمّ ، اختراعٌ اشتقاقيّ فيه كلُّ الدلالة والإبداع … لكنّ المُصيبةَ الكبرى ، حينما يُحوّلونها إلى ” أَمَه ” ، وهو ما يدعونا – بكلّ أسىً وحزن – لأنْ نُدرِكَ عِظَمَ المأساة التي تعيشها الأمومةُ في بلادنا العربية : بدءًا من الأم الفلسطينية التي طالت معاناتُها ، ولا تزال ، مرورًا بكل الساحات المُلتهبة بالحروب : حيث القتْلُ والسّبْيُ والتشريد ، تنزيحًا وتهجيرًا ، وما يخلّفه ذلك من قطعٍ لكلّ أواصر البنوّة والأمومة ، وباقي الروابط الأُسَريّة ؟!
عيدُ الأمّ ، حقًّا : هو عيدُ الأمّة بأكملها ، يوم تعودُ الأُسَرُ لِتَستكينَ، وتستقِرَّ في صدور بيوتها وحميميّة أحضان الوطن ؟!!

كاتب ومفكر لبناني

Share

التصنيفات: أقــلام

Share