Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

حسن اللوزي: الحياة المتجددة والبردوني الخالد

ما الذي يمكن ان تقدمه رسالة الموت بالنسبة لمن يتمرغون في نعيم الحياة؟؟ مهما كانت صفة حياتهم هل يكفي الايمان بان الموت حق؟ وان هذه النهاية او المحطة تعني الكثير بالنسبة لاكتمال المعلوم المعاش..؟ وخاصة ماهو مدون في حساب العمر بين الربح والخسارة..؟ فالحياة في كل المفاهيم رحلة عبور وتجاره؟ وماذا بالنسبة للمصير المجهول في الحياة الآخرة وبخاصة لدى المؤمنين بالبعث والحساب.. والثواب.. والعقاب!!؟ ومع ذلك فلكل انسان كتابه.. كما انه له حجمه في ميزان العدل بحسناته كما بالنسبة للسيئات؟! لن اطيل في هذا الخوص الذي يمليه التسليم والايمان؟؟ ولكن الحديث هو حول حقيقة انقطاع الحياة بقاصمة الحق.. الموت بالنسبة لكل راحل ودع الحياة الفانية! وخاصة بعد التبليغ بأكمل الرسالات السماوية.. ووضوح محنة الابتلاء.. والاستخلاف.. وصدق القائل جلَّ وعلا «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا» صدق الله العظيم.
ولكن هل مات البردوني؟ ام انه اكتمل؟ ام ذهب الشخص وعاش النص؟؟ الجواب واضح.. وفي قمة الجلاء فأمثاله لا يموتون كما في التاريخ وفي الحاضر والمستقبل لم يمت أدب البردوني وسيظل يعيش به حياة متجددة لا تنقطع عن اغناء الحياة.. نعيش الذكرى الثامنة لرحيله وكأنه ما يزال يعيش بيننا.. بكل تفاصيل الحياة الابداعية العارمة التي خلقها وتميز في تصويرها.. وفي اطلاق رسالتها شعراً ونثراً.. وادباً عربياً متميزاً وخصباً.. ومثل كل شاعر ملتزم بالقيم الوطنية والانسانية العليا وبالثورة اليمنية الخالدة في ادق واعمق معانيها لانها في كل يوم فجر ولذا تظل تتوهج بعطائه الاشراقات الحية للقيم التي عاش وناظل من أجلها بل وشكل مدرسة شعرية عربية امتلكت كل عناصر الفرادة والتميز.. والتفوق بها وكما قال وكتب ذات يوم معين بسيسنوا الشاعر والمسرحي الفلسطيني الراحل ايضاً بان البردوني الشاعر العملاق ظلمته الجغرافيا.. وانزواء المكان.. ويعني بلادنا التي لم تكن في صدارة العملية الاعلامية العربية.. ولا توفر اي من اسباب الظهور والبروز للمبدعين المتميزين كما كانت تفعل القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد؟؟ بالتحديد في النصف الاول والاوسط من القرن المنصرم ومع ذلك عرف البردوني بشعره وابداعه وادبه طريقه المستقيم الوضاء الى الحياة العربية فيذكر الادب في اليمن فتتشظى الذاكرة بحضوره وتلهج الالسنة بمكانته وروعته.. اما القلوب فعامرة بكل ما اغدقها به من الغذاء الوجداني الذي لا ينضب معينه وكان في صدارة الاسابيع الثقافية اليمنية التي اقامتها بلادنا في العديد من الاقطار العربية يصدح فيها شعراً.. ويحاضر نثراً.. ويخصب اللقاءات.. احتضاناً ونقاشاً وكان مرآة متوهجة باعظم عطاءات اليمن المعاصر الشعرية في المدرسة التي هندس وجودها، وجوّد صياغة بصماتها ليدل بما لا يدع مجالاً للشك على خصب الحياة الابداعية في اليمن.. وعلى الغنى الذي تدل عليه عطاءات وابداعات شعرائها.. وكتابها.. وقصاصيها ونقادها ولا شك ان الاحتفاء به من قبل وزارة الثقافة والاتحاد العام للادباء والكتاب اليمنيين والجامعات والمؤسسات الثقافية.. هو عنوان بارز من عناوين الوفاء العملي الصادق الذي نعتز ونشيد به.. ونفخر.. ونظل نتمسك بالأمل.. والاصرار على منازلة تحديات تجديدالابداع.. وتطوير الحياة وتقدمها برغم ان وضع الشعر يزداد سوءاً من وجوه كثيرة في عالمنا العربي الذي أعمته مداهمة الحرية وصار لا يدري كيف يتصرف بل واصابته بفقدان الثقة في دوره ورسالته؟ واهتزاز مكانته في الحياة الادبية والثقافية على حد سواء رغم ان الحياة الابداعية العربية مازالت تعطي نتاجاً شعرياً متميزاً ومتفوقاً بكل المعنى المراد ايصاله في كافة الاشكال التي مازال يكتب بها.
ومع ذلك تظهر مشكلة أو أزمة الإبداع والشعر خاصة بل الكتابة بشكل اخص في كل اشكال الكتابة الصحفية.. كما في المهرجانات والاسابيع الثقافية التي تسيطر عليها الفنون.. وتهيمن عليها الفروع الأخرى من الادب؟؟ ومهما كانت روعة القصيدة الحديثة فانها لم تعد تجد ذلك الاهتمام لدى القارئ والمستمع.. باستثناء المهتمين والدارسين.. ذلك ان النثر طغى في استحواذه واتلاف النفسية العربية.. ولا اقصد هنا بالنثر.. النثر الأدبي او السرد.. القصة او الرواية.. وانما الكتابة الصحفية التي تعددت وتنوعت وحققت مستويات من الاشباع النفسي والمعنوي لدى القارئ والمتلقي الذي كان يبحث عن القصائد الناقدة.. بصورها الساخرة الرائعة ولمحاتها اللاذعة.. وكافة الجماليات المرتبطة بصور البلاغة.. وفنون البيان وسحر الشعر غير ان النثر الصحفي بكل ماصار يطرحه من الهجاء وعبارات السباب والشتم.
اخذ يذهب بالذائقة لدى المتلقي الى وهاد من الانحطاط التي يعشش فيها الياس والاحباط.. وصارت الصحافة العربية في عديد من الأقطار العربية تقدم وجبات من الكتابات التي تهتم بالردح، وسلخ الذات.. وتشويه الوظيفة النبيلة للكلمة المسؤولة.. والكلمة البانية.. والكلمة المضيئة سواء كانت نثراً.. او شعراً.. وتلاقت هذه الموجة الكاسحة مع الصورة الحسية التي تخاطب الرغبات الجسدية وتسخر من العاطفة والعقل.. حيث تلاقت صحافة الهجاء.. مع صور الابتذال الحسي في حركة مطحنة واحدة مدمرة تستهدف كل القيم العليا والمبادئ.. والوسائل الرامية في التخاطب والتواصل.. واول ما يتضرر منها هو الشعر.. والفنون الأخرى الراقية.. فتهيل ماشاء لها من الركام في طريقة تجدد الحياة لتخلد الى النكوص.. او الانزواء.. فذلك هو السبب الفتاك الذي ظل يفعل فعله في الحياة الثقافية العربية عموماً.. وكأن لا سبيل الى النجاة منه او التحصن في مواجهته؟؟ او التصدي للمناخ القاتل للثقافة الحية؟؟ والخانق للكلمة البالية واستخدام هذا المصطلح في مواجهة الكلمة الخبيثة الهدامة.. التي صارت تشدد الخناق على الحرية ذاتها التي اوجدتها ومهدت امامها السبيل.. ووسعت امام اندفاعاتها الآفاق بهدف الخروج من حالة الضعف والضياع.. والهزيمة واستنهاض الامة فصارت تسوق لنتيجة اخرى هي في تكريس الضعف.. والضياع.. والهزيمة.. وفقدان ادوات المواجهة الحضارية الفن.. والادب.. والفكر.. بعد ان حل مكانها جميعا الرخص والابتذال.. والردح.. والملاعنة.. وصار الضياع والسقوط.. والارتهان!! يجرجر اذيال التخلف والتمزق والانهزام في شتى جوانب الحياة العربية برغم بريق المظاهر الاستهلاكية وطفرات تكوينات التقليد الاعمى.
بعيداً عن الحداثة أو التخلق الإبداعي من عمق الأصالة كما هي مكشوفة من الماء الى الماء للأسف الشديد!!
التحدي الكبير الذي تصدى له البردوني بكل عطاء حياته الفذة الحافلة بروائع التميز والفرادة والاصالة والرسوخ والحداثة والإعجاز!!
هنيئاً لك ايها الراحل الحكيم لانك لم تشهد مثل هذا؟؟ وسلام الله عليك في كل وقت وحين لانك باق في الحياة المتجددة وفي الابداع الذي لم يبتذل!! الكلمات لم ترخص ابداً.. ابداً

Share

التصنيفات: أقــلام

الوسوم:

Share