Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

تحقيق يكشف عن سوق الشهادات العلمية للعرب في مصر..”ادفع واحصل على الرسالة”!

الوحدة نيوز/
هل تريد أن تصبح ذا وجاهة اجتماعية في أقصر وقت ممكن؟ هل تسعى للحصول على أكبر الشهادات العلمية دون عناء البحث وتحمل تعقيدات المشرفين والمحاضرين والتسكع في أروقة المكتبات من جامعة لأخرى؟ إن أردت هذا ما عليك سوى قطع تذكرة طيران في أقرب وقت والتوجه إلى القاهرة، فهناك ستجد ضالتك وتعود في أقل من عام إلى بلدك حاملاً شهادة الدكتوراة أو الماجستير، فقط ادفع لتحصل على ما تريد.
سوق الشهادات العلمية للباحثين العرب في مصر أو ما يطلق عليه “الدكاكين” بات ظاهرة لا تخفى على أحد، ورغم قدم هذا الموضوع وامتداده عبر عقود طويلة مضت، إلا أنه في الآونة الأخيرة فرض نفسه على ساحة النقاش مرة أخرى، بعدما بات السوق الأول عربيًا وشرق أوسطيًا يقصده العرب بحثًا عن شهادة يزين بها بيته أو مكتبه أو يحقق من خلالها تقدمًا في وظيفته.
 
ظاهرة عالمية
تجدر الإشارة ابتداءً إلى أن سوق الشهادات العلمية نظير مقابل مادي ليست ظاهرة مصرية أو عربية فحسب، بل ظاهرة عالمية في المقام الأول، وهذا ما أشار إليه الدكتور محمد إبراهيم السقا، أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت، في مقال له، بأن هناك عشرات المؤسسات والجامعات في مختلف دول العالم تمنح هذه الشهادات مقابل المال، حيث يطلق على هذه الجامعات والمؤسسات المانحة لتلك الشهادات “مطاحن الدرجات Degree Mills”.
السقا تطرق في مقاله إلى تقرير نشرته “CNN” يقول إن عدد الشهادات العلمية المزورة التي تباع في أمريكا تتجاوز 100 ألف شهادة سنويًا، ثلثها للدراسات العليا، حسبما جاء على لسان جورج جولين عضو مجلس الاعتماد الأكاديمي للتعليم العالي في الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير فإن نحو 40000 دارس يحصلون على الدكتوراة بصورة قانونية في أمريكا سنويًا، ولكن في المقابل هناك نحو 50000 يشترونها بالمال، وقد وصل الفساد في هذه المسألة إلى الحد الذي استطاع فيه بعضهم الحصول على شهادات دكتوراة بأسماء قططهم أو كلابهم.
-جورج جولين عضو مجلس الاعتماد الأكاديمي للتعليم العالي في الولايات المتحدة: “عدد الشهادات العلمية المزورة التي تباع في أمريكا تتجاوز 100 ألف شهادة سنويًا”
أما عن وسائل الحصول على هذه الشهادات، أشار المقال إلى عدة وسائل منها التزوير، وذلك بإصدار شهادة مقلدة لجامعة معروفة، أو أحيانًا تبيع شهادات مزورة لجامعات حقيقية، ثم تقوم برشوة أحد العاملين في هذه الجامعات لإدراج ملف بين الملفات الخاصة بالجامعة باسم الشخص الذي حصل على الدرجة في قائمة بيانات الجامعة، على النحو الذي يبدو من خلاله أن الشخص حصل بالفعل على الدرجة من الجامعة.
وفي روسيا لا يختلف الوضع كثيرًا عن أمريكا، حيث تنتشر ظاهرة بيع درجات الدكتوراة من خلال جامعات حقيقية وقائمة، بسبب انتشار الفساد في النظام التعليمي الروسي وسوء استخدام السلطة لتحقيق مكاسب مادية، كما أن هناك آلية لتفعيل هذه الظاهرة، فلكل بحث سعر معين، وللرسالة العلمية سعر آخر، وقديمًا كانت هذه العلميات تحت السيطرة النسبية، إلا أن دخول الإنترنت وثورة الاتصالات خلال العقدين الأخيرين قد أدوا إلى تغيير سوق هذه المطاحن بصورة هيكلية، ومن ثم بات من الصعب مراقبتها.
-الشهادات العلمية المزورة التي تباع في أمريكا تتجاوز 100 ألف شهادة سنويًا
مصر الأولى عربيًا
تتصدر مصر وبجدارة سوق الشهادات العلمية نظير مقابل مادي عربيًا، ومن ثم فهي قبلة الدارسين العرب الأولى، إذ بها نحو 79 جامعة، 27 منها حكومية و4 جامعات أهلية و20 جامعة خاصة و12 أكاديمية، إضافة إلى 8 كليات عسكرية تتبع وزارة الدفاع، وأيضًا ثلاث جامعات مصرية خارج البلاد، و5 فروع لجامعات مصرية خارج البلاد.
إضافة إلى تلك الجامعات فهناك مئات المؤسسات التعليمية الخاصة غير التابعة لوزارة التعليم العالي المصرية، والتي تنتشر في السنوات الأخيرة بصورة ملفتة للنظر، وتحمل أسماء أكاديميات عالمية مثل كامبريدج أو أكسفورد أو الجامعة الأمريكية للعلوم، ومن ثم فهي هدف أساسي للكثير من الدارسين العرب.
وبحسب شهادة البعض فإن هناك إقبال كبير على الشهادات العلمية لا سيما الماجستير والدكتوراة، لما تضفيه من وجاهة اجتماعية وعلمية لحاملها، فضلاً عن تأثيرها في دعم مكانة صاحبها الوظيفية، حيث إن حاملي تلك الشهادات يتمتعون بامتيازات إدارية ومادية في وظائفهم مقارنة بغيرهم، لذا باتت قبلة للساعين للترقي، لكن يبقى السؤال: لماذا مصر؟
-مصر بها 79 جامعة، 27 منها حكومية و4 جامعات أهلية و20 جامعة خاصة و12 أكاديمية، إضافة إلى 8 كليات عسكرية تتبع وزارة الدفاع، وأيضًا ثلاث جامعات مصرية خارج البلاد، و5 فروع لجامعات مصرية خارج البلاد
لماذا الجامعات المصرية؟
من الملفت للنظر أن بعض الدارسين العرب في مصر ينتمون لدول بها الكثير من الجامعات المتقدمة علميًا، والتي تحتل مراتب جيدة في التصنيف العالمي للجامعات مقارنة بالتي في مصر، ومع ذلك فهناك رغبة لدى كثير من الدراسين في مختلف الدول العربية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة من الجامعات المصرية، مما يضع العديد من علامات الاستفهام يمكن الإجابة عنها من خلال شهادتين لباحثين عربيين يدرسان بالقاهرة، أحدهما بمعهد الدراسات والبحوث العربية التابع لجامعة الدول العربية، والثاني بجامعة عين شمس.
“م. م. أ” باحث سعودي مسجل بدرجة الماجستير بقسم الإعلام بمعهد البحوث العربية، يبلغ من العمر 25 عامًا، يقول إن اختيار المعهد بصفة خاصة جاء بعد استطلاعه رأي بعض أصدقائه ممن درسوا بمصر قبل ذلك، حيث أكدوا له أن الدراسات بالمعهد سهلة جدًا مقارنة بالوضع في السعودية مثلاً أو بقية الجامعات المصرية الأخرى، فضلاً عن مرونة المشرفين وأعضاء هيئة التدريس بالمعهد فيما يتعلق بمحاور موضوع البحث.
-في مصر الأمر ميسر جدًا، حيث تقوم المكاتب المتخصصة بإعداد المادة العلمية كاملة، ويتوقف دور الباحث هنا على مراجعة الرسالة قبيل تقديمها لتشكيل لجنة المناقشة.
وبسؤاله عن عدم تسجيله في جامعات المملكة رغم أن بعضها متقدم في التنصيف العالمي للجامعات، أجاب أن الوضع بالجامعات السعودية مكلف تمامًا ماديًا ومرهق بشريًا، خاصة أن معظم الموضوعات هناك تتطلب عمل ميداني شاق، كذلك غياب آليات التعامل مع العديد من أساتذة الجامعات السعودية خاصة أن نسبة كبيرة منهم من خارج المملكة.
كما أشار إلى أن في مصر الأمر ميسر جدًا، حيث المكاتب التي تساعد الدارس على إتمام موضوع بحثه، سواء في مرحلة إعداد بحث الدبلوم في السنة الأولى من الدراسة بالمعهد، ثم إعداد خطة البحث لتقديمها للتسجيل في درجة الماجستير، وصولاً إلى إعداد الرسالة بأكملها، ويتوقف دور الباحث هنا على مراجعة الرسالة مع المكتب قبيل تقديمها لتشكيل لجنة المناقشة تمهيدًا لمناقشتها وإعطائه الدرجة.
 
مكاتب علنية لإعداد الرسائل العلمية نظير مقابل مادي
“خ. ك” باحثة كويتية مسجلة بإحدى كليات جامعة عين شمس، تبلغ من العمر 29عامًا، تقول إنها جاءت إلى مصر للحصول على شهادة الماجستير، لكنها تقيم في بلادها طيلة أيام العام لارتباطها بعملها، حيث تعمل مديرة بأحد فروع وزارة الإعلام الكويتية، مؤكدة أن مسألة الحصول على الرسالة من مصر أفضل بمراحل من غيرها من الجامعات العربية.
الباحثة الكويتية أشارت إلى أن حصولها على الدرجة العلمية يساعدها على الترقي في وظيفتها، كما أنه يؤهلها للعمل بالمجال الأكاديمي في بلادها بعد ذلك، وبسؤالها عن كيفية إتمام رسالتها، أجابت بكل صراحة: “لا أعمل فيها شيئًا، فهناك مكاتب لذلك، فقط أنا أدفع”، وعن سعر إعداد الرسالة قالت: “الورقة البحثية التي لا تتجاوز خمس صفحات تتكلف تقريبًا ما بين 100 – 150 دولارًا لغير المصريين، أما المصريون فلا يتجاوز 500 جنيه (30 دولارًا)، أما رسالة الماجستير فتبلغ 1500 دولار للرسالة النظرية في مقابل 2000 دولار للعملية، والدكتوراة تتراوح ما بين 3000 – 5000 دولار على حسب موضوعها”.
-باحثة كويتية بجامعة عين شمس: “لا أعمل في الرسالة شيئًا، فهناك مكاتب لذلك، فقط أنا أدفع”
أما عن كيفية معرفتها بهذه المكاتب وأماكنها وكيفية التواصل معها، أشارت أن إعلاناتها تملأ جدران جامعة عين شمس وأجوارها، فضلاً عن عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعرض خدماتها في مجال البحث العلمي، إضافة إلى تجارب دارسين سابقين في هذا المجال.
وبسؤال الباحثين عن موقف مشرفي الرسائل عن هذه الظاهرة، أجابا أن هذا ليس بخاف عليهم، وأن لدى أعضاء هيئة التدريس يقين كامل بأن الرسائل المقدمة تم إعدادها في مكاتب مخصصة لهذا الغرض، إلا أن المفاجأة الأبرز في إجابتهما أنهما أكدا أن بعض المشرفين على رسائل الطلاب هم في الأساس أصحاب أو مساهمين في المكاتب الخارجية التي تقوم بإعداد الرسائل العلمية للباحثين العرب.
فساد منظومة التعليم
التصريحات التي أدلى بها بعض الدارسين العرب عن كيفية حصولهم على الدرجات العلمية المرموقة من الجامعات والمعاهد المصرية تعكس وبصورة فجة حجم الفساد المتفشي داخل أروقة المؤسسات التعليمية في مصر، فضلاً عما تكشفه من تدني الفكر والمناهج المستخدمة لتطوير التعليم على مدار العقود الماضية.
والمثير للدهشة أن بعض الحاصلين على مؤهلات متوسطة ممن لا يحق لهم إكمال دراستهم العليا، يحملون شهادات ماجستير ودكتوراة من بعض المعاهد والأكاديميات المجهولة، في وقت قد لا يتجاوز شهر واحد فقط، وهو ما تجسده آلاف الشهادات التي يتم الإعلان عنها عبر السوشيال ميديا في الوقت الذي غابت فيه أجهزة الدولة الرقابية، مما جعل غير المؤهلين، من أصحاب الشهادات العليا، وحملة الكارنيهات المرموقة.
ويذكر أن مؤشر جودة التعليم العالمي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015- 2016 في 30 سبتمبر الماضي، كشف عن تدني ترتيب مصر في مجال جودة التعليم، حيث جاءت في المرتبة 139، وهو المركز قبل الأخير في محور جودة التعليم الأساسي “الابتدائي” والمركز 111 في جودة التعليم العالي والتدريب.
فساد منظومة التعليم في مصر عبر عنه وزير الثقافة السابق حلمي النمنم، حين أكد في تصريحات له أن الجامعات المصرية أصبحت الأولى على مستوى العالم في نسبة السرقات العلمية، وهو ما يفسر خروجها من التصنيف العالمي السنوي للجامعات والذي يضم جامعات حديثة النشأة في الوقت الذي تستبعد فيه جامعات عريقة تاريخيًا كجامعة القاهرة التي كانت في وقت من الأوقات قبلة لعلماء وباحثي العالم.
نقلاً عن موقع: ن بوست
عماد عنان
Share

التصنيفات: أخبار وتقارير,تحقيقات

الوسوم: ,,,

Share